ذكرناه في المقدمة من الأوليات والمحسوسات والمشاهدات الباطنة والتجربيات والمتواترات فيلحق هذا بها، وإذا كان هذا غير منكر فلا يبعد أن يحصل التصديق بقول عدد ناقص عند انضمام قرائن إليه، لو تجرد عن القرائن لم يفد العلم، فإنه إذا أخبر خمسة أو ستة عن موت إنسان لا يحصل العلم بصدقهم، لكن إذا انضم إليه خروج والد الميت من الدار حاسر الرأس حافي الرجل ممزق الثياب مضطرب الحال يصفق وجهه ورأسه وهو رجل كبير ذو منصب ومروءة، لا يخالف عادته ومروءته والتجربة تدل عليه. وكذلك العدد الكثير ربما يخبرون عن أمر يقتضي إيالة الملك وسياسة إظهاره والمخبرون من رؤساء جنود الملك، فيتصور اجتماعهم تحت ضبط الإيالة بالاتفاق على الكذب، ولو كانوا متفرقين خارجين عن ضبط الملك لم يتطرق إليهم هذا الوهم، فهذا يؤثر في النفس تأثيرا لا ينكر، ولا أدري لم أنكر القاضي ذلك وما برهانه على استحالته، فقد بان بهذا أن العدد يجوز أن يختلف بالوقائع وبالاشخاص فرب شخص انغرس في نفسه أخلاق تميل به إلى سرعة التصديق ببعض الأشياء، فيقوم ذلك مقام القرائن، وتقوم تلك القرائن مقام خبر بعض المخبرين، فينشأ من ذلك أن لا برهان على استحالته، فإن قيل: فهل يجوز أن يحصل العلم بقول واحد؟ قلنا: حكي عن الكعبي جوازه، ولا يظن بمعتوه تجويزه مع انتفاء القرائن، أما إذا اجتمعت قرائن فلا يبعد أن تبلغ القرائن مبلغا لا يبقى بينها وبين إثارة العلم إلا قرينة واحدة، ويقوم إخبار الواحد مقام تلك القرينة، فهذا مما لا يعرف استحالته ولا يقطع بوقوعه، فإن وقوعه إنما يعلم بالتجربة ونحن لم نجربه، ولكن قد جربنا كثيرا مما اعتقدناه جزما بقول الواحد مع قرائن أحواله، ثم انكشف أنه كان تلبيسا، وعن هذا أحال القاضي ذلك، وهذا كلام في الوقائع مع بقاء العادات على المعهود من استمرارها فأما لو قدرنا خرق هذه العادة فالله تعالى قادر على أن يحصل لنا العلم بقول واحد من غير قرينة فضلا على أن تنضم إليه القرائن.
- مسألة (هل شهادة الأربعة فيها غلبة الظن؟) قطع القاضي رحمه الله بأن قول الأربعة قاصر عن العدد الكامل، لأنها بينة شرعية يجوز بالاجماع للقاضي وقفها على المزكين لتحصل غلبة الظن، ولا يطلب الظن فيما علم ضرورة، وما ذكره صحيح إذا لم تكن قرينة، فإنا لا نصادف أنفسنا مضطرين إلى خبر الأربعة، أما إذا فرضت قرائن مع ذلك فلا يستحيل حصول التصديق لكن لا يكون ذلك حاصلا عن مجرد الخبر بل عن القرائن مع الخبر والقاضي رحمه الله يحيل ذلك مع القرائن أيضا.
- مسألة (هل شهادة الخمسة تفيد العلم؟) قال القاضي علمت بالاجماع أن الأربعة ناقص أما الخمس فأتوقف فيها لأنه لم يقم فيها دليل الاجماع، وهذا ضعيف لأنا نعلم بالتجربة ذلك فكم من أخبار نسمعها من خمسة أو ستة ولا يحصل لنا العلم بها فهو أيضا ناقص لا نشك فيه.
- مسألة (العدد الذي يفيد التواتر) إذا قدرنا انتفاء القرائن فأقل عدد يحصل به العلم الضروري معلوم لله تعالى وليس معلوما لنا، ولا سبيل لنا إلى معرفته، فإنا لا ندري متى حصل علمنا بوجود مكة ووجود الشافعي ووجود الأنبياء عليهم السلام عند تواتر الخبر إلينا، وأنه كان بعد خبر المائة والمائتين ويعسر علينا تجربة ذلك وإن تكلفناها، وسبيل التكلف أن نراقب أنفسنا إذا قتل