تصرف، وكيفما كان، فقوله (ص): لا عمل إلا بنية وقوله: إنما الأعمال بالنيات يقتضي عرف الاستعمال نفي جدواه وفائدته، كما يقتضي عرف الشرع نفي الصحة في الصوم والصلاة، فليس هذا من المجملات، بل من المألوف في عرف الاستعمال قولهم: لا علم إلا ما نفع، ولا كلام إلا ما أفاد ولا حكم إلا لله، ولا طاعة إلا له، ولا عمل إلا ما نفع وأجدى، وكل ذلك نفي لما لا ينتفي، وهو صدق لان المراد منه نفي مقاصده.
دقيقة: القاضي رحمه الله إنما لزمه جعل اللفظ مجملا بالإضافة إلى الصحة والكمال من حيث أنه نفى الأسماء الشرعية، وأنكر أن يكون للشرع فيها عرف يخالف الوضع، فلزمه إضمار شئ في قوله عليه السلام: لا صيام أي لا صيام مجزئا صحيحا، أو لا صيام فاضلا كاملا، ولم يكن أحد الاضمارين بأولى من الآخر، وأما نحن إذا اعترفنا بعرف الشرع في هذه الألفاظ صار هذا النفي راجعا إلى نفس الصوم، كقوله: لا رجل في البلد، فإنه يرجع إلى نفي الرجل، ولا ينصرف إلى الكمال إلا بقرينة الاحتمال.
- مسألة (معنى المجمل) إذا أمكن حمل لفظ الشارع على ما يفيد معنيين وحمله على ما يفيد معنى واحدا وهو مردد بينهما فهو مجمل، وقال بعض الأصوليين يترجح حمله على ما يفيد معنيين، كما لو دار بين ما يفيد وما لا يفيد يتعين حمله على المفيد، لان المعنى الثاني مما قصر اللفظ عن إفادته إذا حمل على الوجه الآخر فحمله على الوجه المفيد بالإضافة إليه أولى، وهذا فاسد، لان حمله على غير المفيد يجعل الكلام عبثا ولغوا يجل عنه منصب رسول الله (ص): أما المفيد لمعنى واحد فليس بلغو، وكلماته التي أفادت معنى واحدا لعلها أغلب وأكثر مما يفيد معنيين، فلا معنى لهذا الترجيح.
- مسألة (الاحكام المتعددة في اللفظ) ما أمكن حمله على حكم متعدد فليس بأولى مما يحمل اللفظ فيه على التقرير على الحكم الأصلي والحكم العقلي والاسم اللغوي لان كل واحد محتمل، وليس حمل الكلام عليه ردا له إلى العبث، وقال قوم: حمله على الحكم الشرعي الذي هو فائدة خاصة بالشرع أولى وهو ضعيف، إذ لم يثبت أن رسول الله (ص) لا ينطق بالحكم العقلي ولا بالاسم اللغوي ولا بالحكم الأصلي، فهذا ترجيح بالتحكم، مثاله قوله صلى الله عليه وسلم: الاثنان فما فوقهما جماعة فإنه يحتمل أن يكون المراد به أنه يسمى جماعة ويحتمل أن يكون المراد به انعقاد الجماعة أو حصول فضيلتها، ومثاله أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: الطواف بالبيت صلاة إذ يحتمل أن يكون المراد به الافتقار إلى الطهارة، أي هو كالصلاة حكما، ويحتمل أن فيه دعاء كما في الصلاة، ويحتمل أنه يسمى صلاة شرعا وإن كان لا يسمى في اللغة صلاة، فهو مجمل بين هذه الجهات ولا ترجيح.
- مسألة (دوران الاسم بين المعنى اللغوي والشرعي) إذا دار الاسم بين معناه اللغوي ومعناه الشرعي كالصوم والصلاة، قال القاضي: هو مجمل، لان الرسول عليه السلام يناطق العرب بلغتهم، كما يناطقهم بعرف شرعه، ولعل هذا منه تفريع على مذهب من يثبت الأسامي الشرعية، وإلا فهو منكر للأسامي الشرعية، وهذا فيه نظر، لان غالب عادة الشارع استعمال هذه الأسامي على عرف الشرع