قال عدل: هذه نسخة صحيحة من صحيح البخاري مثلا فرأى فيه حديثا فليس له أن يروي عنه، لكن هل يلزمه العمل إن كان مقلدا فعليه أن يسأل المجتهد، وإن كان مجتهدا فقال قوم: لا يجوز له العلم به ما لم يسمعه، وقال قوم: إذا علم صحة النسخة بقول عدل جاز العمل، لان أصحاب رسول الله (ص) كانوا يحملون صحف الصدقات إلى البلاد، وكان الخلق يعتمدون تلك الصحف بشهادة حامل الصحف بصحته دون أن يسمعه كل واحد منه، فإن ذلك يفيد سكون النفس وغلبة الظن، وعلى الجملة: فلا ينبغي أن يروي إلا ما يعلم سماعه أولا وحفظه وضبطه إلى وقت الأداء، بحيث يعلم أن ما أداه هو الذي سمعه، ولم يتغير منه حرف، فإن شك في شئ منه فليترك الرواية. ويتفرع عن هذا الأصل مسائل:
- مسألة (الشك في الرواية إذا كان في مسموعاته عن الزهري مثلا حديث واحد شك أنه سمعه من الزهري أم لا لم يجز له أن يقول: سمعت الزهري، ولا أن يقول: قال الزهري، لان قوله قال الزهري شهادة على الزهري، فلا يجوز إلا عن علم، فلعله سمعه من غيره، فهو كمن سمع إقرارا ولم يعلم أن المقر زيد وعمرو، فلا يجوز أن يشهد على زيد، بل نقول: لو سمع مائة حديث من شيخ وفيها حديث واحد علم أنه لم يسمعه، ولكنه التبس عليه عينه فليس له روايته، بل ليس له رواية شئ من الأحاديث عنه، إذ ما من حديث إلا ويمكن أن يكون هو الذي لم يسمعه، ولو غلب على ظنه في حديث أنه مسموع من الزهري لم تجز الرواية بغلبة الظن، وقال قوم: يجوز، لان الاعتماد في هذا الباب على غلبة الظن، وهو بعيد لان الاعتماد في الشهادة على غلبة الظن، ولكن في حق الحاكم، فإنه لا يعلم صدق الشاهد، أما الشاهد فينبغي أن يتحقق، لان تكليفه أن لا يشهد إلا على المعلوم فيما تمكن فيه المشاهدة ممكن، وتكليف الحاكم أن لا يحكم إلا بصدق الشاهد محال، وكذلك الراوي لا سبيل له إلى معرفة صدق الشيخ، ولكن له طريق إلى معرفة قوله بالسماع، فإذا لم يتحقق فينبغي أن لا يروي، فإن قيل: فالواحد في عصرنا يجوز أن يقول: قال رسول الله (ص) ولا يتحقق ذلك، قلنا: لا طريق له إلى تحقق ذلك، ولا يفهم من قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمعه، لكن يفهم منه أنه سمع هذا الحديث من غيره، أو رواه في كتاب يعتمد عليه، وكل من سمع ذلك لا يلزمه العمل به، لأنه مرسل لا يدري من أين يقوله وإنما يلزم العمل إذا ذكر مستنده حتى ينظر في حاله وعدالته والله أعلم.
- مسألة (تكذيب الشيخ الراوي) إذا أنكر الشيخ الحديث إنكار جاحد قاطع بكذب الراوي ولم يعمل به لم يصر الراوي مجروحا، لان الجرح ربما لا يثبت بقول واحد، ولأنه مكذب شيخه، كما أن شيخه مكذب له، وهما عدلان فهما كبينتين متكاذبتين، فلا يوجب الجرح، أما إذا أنكر إنكار متوقف وقال: لست أذكره، فيعمل بالخبر، لان الراوي جازم أنه سمعه منه، وهو ليس بقاطع بتكذيبه وهما عدلان، فصدقهما إذا ممكن، وذهب الكرخي إلى أن نسيان الشيخ الحديث يبطل الحديث، وبنى عليه اطراح خبر الزهري أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها واستدل بأنه الأصل، ولأنه ليس للشيخ أن يعمل بالحديث والراوي فرعه، فكيف يعمل به؟ قلنا: للشيخ أن يعمل به إذا روى العدل له عنه، فإن بقي شك له مع رواية العدل فليس له العمل به، وعلى