الوقف والابتداء، فإن الوقف على السماوات في قوله تعالى: * (وهو الله في السماوات وفى الأرضي يعلم سركم وجهركم) * (الانعام: 3) له معنى يخالف الوقف على الأرض والابتداء بقوله: * (يعلم سركم وجهركم) * وقوله تعالى: * (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) * (آل عمران: 7) من غير وقف يخالف الوقف على قوله: * (إلا الله) * (ال عمران: 7) وذلك لتردد الواو بين العطف والابتداء، ولذلك قد يصدق قولك: الخمسة زوج وفرد. أي هو اثنان وثلاثة، ويصدق قولك: الانسان حيوان وجسم، لأنه حيوان وجسم أيضا، ولا يصدق قولك، الانسان حيوان وجسم، ولا قولك الخمسة زوج وفرد، لان الانسان ليس بحيوان وجسم وليست الخمسة زوجا وفرد أيضا، وذلك لان الواو يحتمل جمع الاجزاء وجمع الصفات، وكذلك تقول زيد طبيب بصير يصدق، وإن كان جاهلا ضعيف المعرفة بالطب ولكن بصير بالخياطة فيتردد البصير بين أن يراد به البصير في الطب، أو يراد وصف زائد في نفسه، فهذه أمثلة مواضع الأحمال، وقد تم القول في المجمل، وفي مقابلته المبين فلنتكلم في البيان وحكمه وحده.
القول في البيان والمبين إعلم أنه جرت عادة الأصوليين برسم كتاب في البيان، وليس النظر فيه مما يستوجب أن يسمى كتابا، فالخطب فيه يسير، والامر فيه قريب، ورأيت أولى المواضع به أن يذكر عقيب المجمل، فإنه المفتقر إلى البيان، والنظر فيه حد البيان وجواز تأخيره والتدريج في إظهاره، وفي طريق ثبوته، فهذه أربعة أمور نرسم في كل واحد منها مسألة:
- مسألة في حد البيان إعلم أن البيان عبارة عن أمر يتعلق بالتعريف والاعلام، وإنما يحصل الاعلام بدليل، والدليل محصل للعلم، فها هنا ثلاثة أمور: إعلام، ودليل به الاعلام وعلم يحصل من الدليل. فمن الناس من جعله عبارة عن التعريف فقال في حده: أنه إخراج الشئ من حيز الاشكال إلى حيز التجلي ومنهم من جعله عبارة عما به تحصل المعرفة فيما يحتاج إلى المعرفة، أعني الأمور، التي ليست ضرورية، وهو الدليل، فقال في حده: أنه الدليل الموصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بما هو دليل عليه، وهو اختيار القاضي، ومنهم من جعله عبارة عن نفس العلم، وهو تبين الشئ، فكأن البيان عنده والتبيين واحد، ولا حجر في إطلاق اسم البيان على كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة، إلا أن الأقرب إلى اللغة وإلى المتداول بين أهل العلم ما ذكره القاضي إذ يقال لمن دل غيره على الشئ بينه له، وهذا بيان منك، لكنه لم يتبين، وقال تعالى: * هذا بيان للناس) * (آل عمران: 831) وأراد به القرآن، وعلى هذا فبيان الشئ قد يكون بعبارات وضعت بالاصطلاح، فهي بيان في حق من تقدمت معرفته بوجه المواضعة، وقد يكون بالفعل والإشارة والرمز، إذا لكل دليل ومبين، ولكن صار في عرف المتكلمين مخصوصا بالدلالة بالقول، فيقال له: بيان حسن، أي كلام حسن رشيق الدلالة على المقاصد. واعلم أنه ليس من شرط البيان أن يحصل التبيين به لكل أحد بل أن يكون بحيث إذا سمع وتؤمل وعرفت المواضعة صح أن يعلم به، ويجوز أن يختلف الناس في تبين ذلك وتعرفه، وليس من شرطه أن يكون بيانا لمشكل، لان النصوص المعربة