لبيان الأحكام الشرعية، وإن كان أيضا كثيرا ما يطلق على الوضع اللغوي، كقوله صلى الله عليه وسلم: دعي الصلاة أيام أقرائك ومن باع حرا أو من باع خمرا. فحكمه كذا، وإن كانت الصلاة في حالة الحيض وبيع الخمر والحر لا يتصور إلا بموجب الوضع، فأما الشرعي فلا، ومثال هذه المسألة قوله (ص) حيث لم يقدم إليه غداء إني إذا أصوم فإنه إن حمل على الصوم الشرعي، دل على جواز النية نهارا، وإن حمل على الامساك لم يدل، وقوله (ص): لا تصوموا يوم النحر إن حمل على الامساك الشرعي دل على انعقاده، إذ لولا إمكانه لما قيل له لا تفعل، إذ لا يقال للأعمى لا تبصر، وإن حمل على الصوم الحسي لم ينشأ منه دليل على الانعقاد، وقد قال الشافعي: لو حلف أن لا يبيع الخمر لا يحنث ببيعه، لان البيع الشرعي لا يتصور فيه، وقال المزني: يحنث، لان القرينة تدل على أنه أراد البيع اللغوي، والمختار عندنا أن ما ورد في الاثبات والامر فهو للمعنى الشرعي، وما ورد في النهي كقوله: دعي الصلاة فهو مجمل.
- مسألة (تعارض الحقيقة والمجاز أيهما يقدم؟) إذا دار اللفظ بين الحقيقة والمجاز فاللفظ للحقيقة إلى أن يدل الدليل أنه أراد المجاز، ولا يكون مجملا، كقوله: رأيت اليوم حمارا، واستقبلني في الطريق أسد، فلا يحمل على البليد والشجاع إلا بقرينة زائدة، فإن لم تظهر فاللفظ للبهيمة والسبع، ولو جعلنا كل لفظ أمكن أن يتجوز به مجملا تعذرت الاستفادة من أكثر الألفاظ، فإن المجاز إنما يصار إليه لعارض، وهذا في مجاز لم يغلب بالعرف بحيث صار الوضع كالمتروك مثل الغائط والعذرة، فإنه لو قال: رأيت اليوم عذرة أو غائطا لم يفهم منه المطمئن من الأرض وفناء الدار، لأنه صار كالمتروك بعرف الاستعمال والمعنى العرفي كالمعنى الوضعي في تردد اللفظ بينهما، وليس المجاز كالحقيقي، لكن المجاز إذا صار عرفيا كان الحكم للعرف.
خاتمة جامعة إعلم أن الاجمال تارة يكون في لفظ مفرد وتارة يكون في لفظ مركب وتارة في نظم الكلام والتصريف وحروف النسق ومواضع الوقف والابتداء. أما اللفظ المفرد فقد يصلح لمعان مختلفة، كالعين للشمس والذهب والعضو الباصر والميزان، وقد يصلح لمتضادين، كالقرء للطهر والحيض، والناهل للعطشان والريان، وقد يصلح لمتشابهين بوجه ما كالنور للعقل، ونور الشمس، وقد يصلح لمتماثلين، كالجسم للسماء والأرض، والرجل لزيد وعمرو، وقد يكون موضوعا لهما من غير تقديم وتأخير، وقد يكون مستعارا لأحدهما من الآخر، كقولك: الأرض أم البشر، فإن الام وضع اسما للوالدة أولا، وكذلك اسم المنافق والكافر والفاسق والصوم والصلاة، فإنه نقل في الشرع إلى معان، ولم يترك المعنى الوضعي أيضا. أما الاشتراك مع التركيب فكقوله تعالى: * أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح) * (البقرة:
237) فإن جميع هذه الألفاظ مرددة بين الزوج والولي، وأما الذي بحسب التصريف فكالمختار للفاعل والمفعول، وأما الذي بحسب نسق الكلام فكقولك: كل ما علمه الحكيم فهو كما علمه، فإن قولك: فهو كما علمه متردد بين أن يرجع إلى كل ما وبين أن يرجع إلى الحكم حتى يقول: والحكيم يعلم الحجر، فهو إذا كالحجر، وقد يكون بحسب