فلا يحتج به ما لم يقل سمعت النبي (ص) يقول نسخت آية كذا، لأنه ربما يرى ما ليس بنسخ نسخا، وهذا قد ذكرناه في باب الاخبار وهو أصل السنة في القطب الثاني.
- مسألة (هل قول الصحابي يقتضي العموم) قول الصحابي: قضى النبي (ص) بالشفعة للجار وبالشاهد واليمين، كقوله نهى، في أنه لا عموم له، لان حكاية، والحجة في المحكي، ولعله حكم في عين أو بخطاب خاص مع شخص، فكيف يتمسك بعمومه، فيقال مثلا: يقضي بالشاهد واليمين في البضع، أو في الدم، لان الراوي أطلق، مع أن للراوي أن يطلق هذا إذا رآه قد قضى في مال، أو في بضع، بل لو قال الصحابي: سمعته يقول: قضيت بالشفعة للجار، فهذا يحتمل الحكاية عن قضاء الجار معروف، ويكون الألف واللام للتعريف، وقوله: قضيت، حكاية فعل ماض، فأما لو قال: قضيت بأن الشفعة للجار، فهذا أظهر في الدلالة على التعريف للحكم دون الحكاية، ولو قال الراوي: قضى النبي عليه السلام بأن الشفعة للجار اختلفوا فيه، فمنهم من جعله عاما، ومنهم من قال: يجوز أن يكون قد قضى في واقعة بأن الشفعة للجار، فدعوى العموم فيه حكم بالتوهم.
- مسألة (لا عموم لواقعة الحال) لا يمكن دعوى العموم في واقعة لشخص معين قضى فيها النبي عليه السلام بحكم وذكر علة حكمه أيضا إذا أمكن اختصاص العلة بصاحب الواقعة، مثاله: حكمه في أعرابي محرم وقصت به ناقته: لا تخمروا رأسه ولا تقربوه طيبا، فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا فإنه يحتمل أن يقال: إما لأنه وقصت به ناقته محرما لا بمجرد إحرامه، أو لأنه علم من نيته أنه كان مخلصا في عبادته، وأنه مات مسلما وغيره لا يعلم موته على الاسلام، فضلا عن الاخلاص، وكذلك قال عليه السلام في قتلي أحد: زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنهم يحشرون وأوداجهم تشخب دما يجوز أن يكون لقتلى أحد خاصة لعلو درجتهم، أو لعلمه أنهم أخلصوا الله فهم شهداء حقا، ولو صرح بأن ذلك خاصيتهم قبل ذلك فاللفظ خاص والتعميم وهم، والشافعي رحمه الله تعالى عمم هذا الحكم نظرا إلى العلة، وأن ذلك كان بسبب الجهاد والاحرام، وأن العلة حشرهم على هذه الصفات، وعلة حشرهم الجهاد أو الاحرام، وقد وقعت الشركة في العلة، وهذا أسبق إلى الفهم، لكن خلافه وهو الذي اختاره القاضي ممكن، والاحتمال متعارض، والحكم بأحد الاحتمالين، لأنه أسبق إلى الفهم فيه نظر، فإن الحكم بالعموم إنما أخذ من العادة، ومن وضع اللسان ولم يثبت ههنا في مثل هذه الصورة لا وضع ولا عادة فلا يكون في معنى العموم.
- مسألة (هل للمفهوم عموم؟) من يقول بالمفهوم قد يظن للمفهوم عموما ويتمسك به، وفيه نظر لان العموم لفظ تتشابه دلالته بالإضافة إلى المسميات، والمتمسك بالمفهوم والفحوى ليس متمسكا بلفظ بل بسكوت، فإذا قال عليه السلام: في سائمة الغنم زكاة فنفي الزكاة في المعلوفة ليس بلفظ حتى يعم اللفظ، أو يخص، وقوله تعالى: * (فلا تقل لهما أف) * (الاسراء: 32) دل على تحريم الضرب لا بلفظه المنطوق به حتى يتمسك بعمومه، وقد ذكرنا أن العموم للألفاظ لا للمعاني ولا للأفعال.