وثورا، إذا أراد شجاعا وبليدا، فإنه لا يستقل بالدلالة على مقصوده إلا بقرينة، وأما الذي يستقل من وجه دون وجه، فكقوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * (الانعام: 141) وكقوله تعالى:
* (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * (التوبة: 92) (التوبة: 92) فإن الايتاء ويوم الحصاد معلوم، ومقدار ما يؤتى غير معلوم، والقتال وأهل الكتاب معلوم، وقدر الجزية مجهول، فخرج من هذا أن اللفظ المفيد بالإضافة إلى مدلوله، إما أن لا يتطرق إليه احتمال فيسمى نصا، أو يتعارض فيه الاحتمالات من غير ترجيح، فيسمى مجملا ومبهما، أو يترجح أحد احتمالاته على الآخر فيسمى بالإضافة إلى الاحتمال الأرجح ظاهرا، وبالإضافة إلى الاحتمال البعيد مؤولا، فاللفظ المفيد إذا ما نص أو ظاهر أو مجمل.
الفصل السادس في طريق فهم المراد من الخطاب اعلم أن الكلام إما أن يسمعه نبي أو ملك من الله تعالى، أو يسمعه نبي أو ولي من ملك، أو تسمعه الأمة من النبي، فإن سمعه ملك أو نبي من الله تعالى فلا يكون حرفا ولا صوتا ولا لغة موضوعة حتى يعرف معناه بسبب تقدم المعرفة بالمواضعة، لكن يعرف المراد منه بأن يخلق الله تعالى في السامع علما ضروريا بثلاثة أمور: بالمتكلم وبأن ما سمعه من كلامه، وبمراده من كلامه، فهذه ثلاثة أمور ، لا بد وأن تكون معلومة، والقدرة الأزلية ليست قاصرة عن اضطرار الملك والنبي إلى العلم بذلك، ولا متكلم إلا وهو محتاج إلى نصب علامة لتعريف ما في ضميره، إلا الله تعالى، فإنه قادر على اختراع علم ضروري به من غير نصب علامة، وكما أن كلامه ليس من جنس كلام البشر، فسمعه الذي يخلقه لعبده ليس من جنس سمع الأصوات، ولذلك يعسر علينا تفهم كيفية سماع موسى كلام الله تعالى الذي ليس بحرف ولا صوت، كما يعسر على الأكمة تفهم كيفية إدراك البصير للألوان والاشكال، أما سماع النبي من الملك فيحتمل أن يكون بحرف وصوت دال على معنى كلام الله، فيكون المسموع الأصوات الحادثة، التي هي فعل الملك دون نفس الكلام، ولا يكون هذا إسماعا لكلام الله بغير واسطة، وإن كان يطلق عليه اسم سماع كلام الله تعالى، كما يقال: فلان سمع شعر المتنبي وكلامه، وإن سمعه من غيره وسمع صوت غيره، وكما قال تعالى: * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) * (التوبة : 6) وكذلك سماع الأمة من الرسول (ص) كسماع الرسول من الملك، ويكون طريق فهم المراد تقدم المعرفة بوضع اللغة التي بها المخاطبة، ثم إن كان نصا لا يحتمل كفى معرفة اللغة وإن تطرق إليه الاحتمال فلا يعرف المراد منه حقيقة إلا بانضمام قرينة إلى اللفظ، والقرينة إما لفظ مكشوف، كقوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * (الانعام:
141) والحق هو العشر، وإما إحالة على دليل العقل، كقوله تعالى: * (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) * (الزمر: 76) وقوله عليه السلام: قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن.
وإما قرائن أحوال من إشارات ورموز وحركات وسوابق ولواحق لا تدخل تحت الحصر والتخمين يختص بدركها المشاهد لها، فينقلها المشاهدون من الصحابة إلى التابعين بألفاظ صريحة، أو مع قرائن من ذلك الجنس أو من جنس آخر، حتى توجب علما ضروريا بفهم المراد، أو توجب ظنا، وكل ما ليس عبارة موضوعة في اللغة فتتعين فيه القرائن، وعند منكري صيغة