بسم الله الرحمن الرحيم القطب الأول في الثمرة وهي الحكم والكلام فيه ينقسم إلى فنون أربعة: فن في حقيقة الحكم، وفن في أقسامه، وفن في أركانه، وفن فيما يظهره.
الفن الأول في حقيقته ويشتمل على تمهيد وثلاث مسائل: أما التمهيد فهو أن الحكم عندنا عبارة عن خطاب الشرع إذا تعلق بأفعال المكلفين، فالحرام هو المقول فيه : إتركوه ولا تفعلوه، والواجب هو المقول فيه: إفعلوه ولا تتركوه، والمباح هو المقول فيه : إن شئتم فافعلوه، وإن شئتم فاتركوه، فإن لم يوجد هذا الخطاب من الشارع فلا حكم، ، فلهذا قلنا: العقل لا يحسن ولا يقبح، ولا يوجب شكر المنعم، ولا حكم للأفعال قبل ورود الشرع، فلنرسم كل مسألة برأسها.
مسألة (الحسن والقبح في الفعل) ذهبت المعتزلة إلى أن الافعال تنقسم إلى حسنة وقبيحة، فمنها ما يدرك بضرورة العقل، كحسن إنقاذ الغرقى والهلكى، وشكر المنعم، ومعرفة حسن الصدق، وكقبح الكفران، وإيلام البرئ والكذب الذي لا غرض فيه، ومنها ما يدرك بنظر العقل كحسن الصدق الذي فيه ضرر وقبح الكذب الذي فيه نفع، ومنها ما يدرك بالسمع، كحسن الصلاة والحج وسائر العبادات، وزعموا أنها متميزة بصفة ذاتها عن غيرها بما فيها من اللطف المانع من الفحشاء الداعي إلى الطاعة، لكن العقل لا يستقل بدركه، فنقول قول القائل: هذا حسن وهذا قبيح لا يحس بفهم معناه ما لم يفهم معنى الحسن والقبح، فإن الاصطلاحات في إطلاق لفظ الحسن والقبح مختلفة فلا بد من تلخيصها، والاصطلاحات فيه ثلاثة:
الأول: الاصطلاح المشهور العامي، وهو أن الافعال تنقسم إلى ما يوافق غرض الفاعل وإلى ما يخالفه وإلى ما لا يوافق ولا يخالف، فالموافق يسمى حسنا، والمخالف يسمى قبيحا، والثالث يسمى عبثا، وعلى هذا الاصطلاح إذا كان الفعل موافقا لشخص مخالفا لآخر فهو حسن في حق من وافقه، قبيح في حق من خالفه، حتى أن قتل الملك الكبير يكون حسنا في حق أعدائه، قبيحا في حق أوليائه، وهؤلاء لا يتحاشون عن تقبيح فعل الله تعالى إذا خالف غرضهم، ولذلك يسبون الدهر والفلك ويقولون، خرب الفلك، وتعس الدهر وهم يعلمون أن الفلك مسخر ليس إليه شئ، ولذلك قال (ص): لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر فإطلاق اسم الحسن، والقبح على الافعال عند هؤلاء كإطلاقه على الصور، فمن مال طبعه إلى صورة أو صوت شخص قضى بحسنه، ومن نفر طبعه عن