إنما يسمعه من قوله، والاجماع يثبت بقوله، والأدلة هي الكتاب والسنة والاجماع فقط، وقول الرسول (ص) إنما يثبت صدقه وكونه حجة في علم الكلام، فإذا الكلام هو المتكفل بإثبات مبادي العلوم الدينية كلها، فهي جزئية بالإضافة إلى الكلام، فالكلام هو العلم الاعلى في الرتبة، إذ منه النزول إلى هذه الجزئيات، فإن قيل فليكن من شرط الأصولي والفقيه والمفسر والمحدث، أن يكون قد حصل علم الكلام، لأنه قبل الفراغ من الكلي الاعلى كيف يمكنه النزول إلى الجزئي الأسفل؟ قلنا ليس ذلك شرطا في كونه أصوليا وفقيها ومفسرا ومحدثا ، وإن كان ذلك شرطا في كونه عالما مطلقا، مليئا بالعلوم الدينية، وذلك أنه ما من علم من العلوم الجزئية إلا وله مباد تؤخذ، مسلمة بالتقليد في ذلك العلم، ويطلب برهان ثبوتها في علم آخر، فالفقيه ينظر في نسبة فعل المكلف إلى خطاب الشرع في أمره ونهيه، وليس عليه إقامة البرهان على إثبات الافعال الاختياريات للمكلفين، فقد أنكرت الجبرية فعل الانسان ، وأنكرت طائفة وجود الاعراض، والفعل عرض، ولا على الفقيه إقامة البرهان على ثبوت خطاب الشرع، وأن لله تعالى كلاما قائما بنفسه هو أمر ونهي، ولكن يأخذ ثبوت الخطاب من الله تعالى. وثبوت الفعل من المكلف على سبيل التقليد، وينظر في نسبة الفعل إلى الخطاب فيكون قد قام بمنتهى علمه، وكذلك الأصولي، يأخذ بالتقليد من المتكلم أن قول الرسول حجة، ودليل واجب الصدق، ثم ينظر في وجوده دلالته وشروط صحته، فكل عالم بعلم من العلوم الجزئية فإنه مقلد لا محالة في مبادئ علمه إلى أن يترقى إلى العلم الاعلى، فيكون قد جاوز علمه إلى علم آخر.
بيان كيفية دورانه على الأقطاب الأربعة اعلم أنك إذا فهمت أن نظر الأصولي في وجوه دلالة الأدلة السمعية على الأحكام الشرعية ، لم يخف عليك أن المقصود كيفية اقتباس الاحكام من الأدلة، فوجب النظر في الاحكام، ثم في الأدلة وأقسامها، ثم في كيفية اقتباس الاحكام من الأدلة، ثم في صفات المقتبس الذي له أن يقتبس الاحكام، فإن الاحكام ثمرات، وكل ثمرة لها صفة وحقيقة في نفسها، ولها مثمر ومستثمر وطريق في الاستثمار. والثمرة: هي الاحكام، أعني الوجوب، والحظر ، والندب، والكراهة، والإباحة، والحسن، والقبح، والقضاء، والأداء، والصحة، والفساد، وغيرها. والمثمر:
هي الأدلة، وهي ثلاثة: الكتاب، والسنة، والاجماع فقط. وطرق الاستثمار: هي وجوه دلالة الأدلة، وهي أربعة، إذ الأقوال إما أن تدل على الشئ بصيغتها ومنظومها، أو بفحواها ومفهومها وباقتضائها وضرورتها، أو بمعقولها ومعناها المستنبط منها. والمستثمر هو المجتهد، ولا بد من معرفة صفاته، وشروطه، وأحكامه، فإذا جملة الا صول تدور على أربعة أقطاب. القطب الأول: في الاحكام والبداءة بها أولى، لأنها الثمرة المطلوبة. القطب الثاني: في الأدلة، وهي الكتاب، والسنة، والاجماع، وبها التثنية، إذ بعد الفراغ من معرفة الثمرة لا أهم من معرفة المثمر. القطب الثالث: في طريق الاستثمار، وهو وجوه دلالة الأدلة، وهي أربعة: دلالة بالمنظوم، ودلالة بالمفهوم، ودلالة بالضرورة والاقتضاء، ودلالة بالمعنى المعقول. القطب الرابع: في المستثمر، وهو المجتهد الذي يحكم بظنه، ويقابله المقلد