مراجعته، قالوا: ولا يمنع من هذا كون الوقائع غير متناهية، وكون النصوص متناهية لان التي لا تتناهى أحكام الاشخاص، كحكم زيد وعمرو في أنه عدل تقل شهادته أم لا، وفقير تصرف إليه الزكاة أم لا، ومسلم أن هذا يعرف بالاجتهاد، لأنه يرجع إلى تحقيق مناط الحكم، أما الروابط الكلية للأحكام فيمكن ضبطها بالنص بأن نقول مثلا: من سرق نصابا كاملا من حرز مثله لا شبهة له فيه فيلزمه القطع، ومن أفطر في نهار رمضان بجماع تام أثم به لأجل الصوم لزمته الكفارة، فما تناولته الرابطة الجامعة يجري فيه الحكم، وما خرج عنه مما لا يتناهى يبقى على الحكم الأصلي، فتكون محيطة بهذه الطرق. والجواب: أنا لا نسلم بطلان القياس مع النص، ونسلم إمكان الربط بالضوابط والروابط الكلية، لكنكم اخترعتم هذه الدعوى، فإن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسألة الجد والحرام والمفوضة و مسائل كثيرة وكانوا يطلبون من سمع فيها حديثا من النبي (ص)، وفيهم المعصوم بزعمكم وكانوا يشاورونه ويراجعونه، فتارة وافقوه وتارة خالفوه، ولم ينقل قط حديث ولا نص إلا ساعدوه، بل قبلوا النقل من كل عدل، فضلا عن الخلفاء الراشدين فلم كتم النص عنهم في بعض المسائل وتركهم مختلفين إن كانت النصوص محيطة، فبلضرورة يعلم من اجتهادهم واختلافهم أن النصوص لم تكن محيطة، فدل هذا أنهم كانوا متعبدين بالاجتهاد.
القول في شبههم المعنوية وهي ست:
الأولى: قول الشيعة والتعليمية: إن الاختلاف ليس من دين الله، ودين الله واحد ليس بمختلف، وفي رد الخلق إلى الظنون ما يوجب الاختلاف ضرورة، الرأي منبع الخلاف فإن كان كل مجتهد مصيبا فكيف يكون الشئ ونقيضه دينا، وإن كان المصيب واحدا فهو محال، إذ ظن، هذا كظن ذاك، والظنيات لا دليل فيها بل ترجع إلى ميل النفوس ورب كلام تميل إليه نفس زيد وهو بعينه ينفر عنه قلب عمرو، والدليل على ذم الاختلاف قوله تعالى:
* (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * (النساء: 28) وقال: * (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) * (الشورى: 31) وقال: * (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) * (الأنفال:
46) وقال تعالى: * (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ) * (الانعام:
159) وقال تعالى: * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات) * (آل عمران: 501) وكذلك ذم الصحابة رضي الله عنهم الاختلاف، فقال عمر رضي الله عنه:
لا تختلفوا، فإنكم إن اختلفتم كان من بعدكم أشد اختلافا، وسمع ابن مسعود وأبي بن كعب يختلفان في صلاة الرجل في الثوب الواحد والثوبين، فصعد عمر إلى المنبر وقال: اختلف رجلان من أصحاب النبي (ص)، فعن أي فتياكم يصدر المسلمون، لا أسمع اثنين يختلفان بعد مقامي هذا إلا فعلت وصنعت. وقال جرير بن كليب: رأيت عمر ينهى عن المتعة وعلي يأمر بها، فقلت: إن بينكما لشرا، فقال علي: ما بيننا إلا خير، ولكن خيرنا أتبعنا لهذا الدين، وكتب علي رضي الله عنه إلى قضاته أيام الخلافة أن اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الخلاف، وأرجو أن أموت كما مات أصحابي. والجواب: أن الذي نراه تصويب المجتهدين، وقولهم أن الشئ ونقيضه كيف يكون دينا، قلنا يجوز: ذلك في حق