أعم من بعض، وبعضها أخص، وإلى العين أقرب، فإن أعم أوصاف الاحكام كونه حكما، ثم تنقسم إلى تحريم وإيجاب وندب وكراهة، والواجب مثلا ينقسم إلى عبادة وغير عبادة، والعبادة تنقسم إلى صلاة وغير صلاة، والصلاة تنقسم إلى فرض ونفل، وما ظهر تأثيره في الفرض أخص مما ظهر تأثيره في الصلاة، وما ظهر تأثيره في الصلاة أخص مما ظهر تأثيره في العبادة، وما ظهر تأثيره في العبادة أخص مما ظهر في جنس الواجبات، وما ظهر في جنس الواجبات أخص مما ظهر في جنس الاحكام. وكذلك في جانب المعنى أعم أوصافه أن يكون وصفا تناط الاحكام بجنسه حتى يدخل فيه الأشباه، وأخص منه كونه مصلحة حتى يدخل فيه المناسب دون الشبه، وأخص منه أن يكون مصلحة خاصة، كالردع والزجر، أو معنى سد الحاجات، أو معنى حفظ العقل بالاحتراز عن المسكرات، فليس كل جنس على مرتبة واحدة، فالاشباه أضعفها، لأنها لا تعتضد بالعادة المألوفة إلا من حيث أنه من جنس الأوصاف التي قد يضبط الشرع الاحكام بها، وأقواها المؤثر الذي ظهر أثر عينه في عين الحكم، فإن قياس الثيب الصغيرة على البكر الصغيرة في ولاية التزويج ربما كان أقرب من بعض الوجوه من قياسه على ولاية المال، فإن الصغر إن أثر في ولاية المال فولاية البضع جنس آخر، فإذا ظهر أثره في حق الابن الصغير في نفس ولاية النكاح ربما كان أقرب من بعض الوجوه من قياسه على ولاية المال، فقد عرفت بهذا أن الظن ليس بتحريك، والنفس ليست تميل إلا بالالتفات إلى عادة الشرع في التفات الشرع إلى عين ذلك المعنى أو جنسه في عين ذلك الحكم أو جنسه، وأن للجنسية درجات متفاوتة في القرب والبعد لا تنحصر، فلأجل ذلك تتفاوت درجات الظن، والأعلى مقدم على الأسفل، والأقرب مقدم على الابعد في الجنسية، ولكل مسألة ذوق مفرد ينظر فيه المجتهد. ومن حاول حصر هذه الأجناس في عدد وضبط فقد كلف نفسه شططا لا تتسع له قوة البشر، وما ذكرناه هو النهاية في الإشارة إلى الأجناس ومراتبها وفي مقنع وكفاية.
تنبيه آخر على خواص الأقيسة إعلم أن المؤثر من خاصيته أن يستغنى عن السبر والحصر، فلا يحتاج إلى نفي ما عداه، لأنه لو ظهر في الأصل مؤثر آخر لم يطرح بل يجب التعليل بهما، فإن الحيض والردة والعدة قد تجتمع على امرأة، ويعلل تحريم الوطئ بالجميع لأنه قد ظهر تأثير كل واحد على الانفراد بإضافة الشرع التحريم إليه، أما المناسب فلم يثبت إلا بشهادة المناسبة وإثبات الحكم على وفقه، فإذا ظهرت مناسبة أخرى انمحقت الشهادة الأولى، كما في إعطاء الفقير القريب، فإنا لا ندري أنه أعطى للفقر أو للقرابة أو لمجموع الامرين، فلا يتم نظر المجتهد في التعليل بالمناسب ما لم يعتقد نفي مناسب آخر أقوى ولم يتوصل بالسبر إليه. أما المناظر فينبغي أن يكتفي منه بإظهار المناسبة ولا يطالب بالسبر، لان المناسبة تحرك الظن إلا في حق من اطلع على مناسب آخر، فيلزم المعترض إظهاره إن اطلع عليه، وإلا فليعترض بطريق آخر فهذا فرق ما بين المناسب والمؤثر، وأما الشبه فمن خاصيته أنه يحتاج إلى نوع ضرورة في استنباط مناط الحكم، فإن لم تكن ضرورة فقد ذهب ذاهبون إلى أنه لا يجوز اعتباره، وليس هذا بعيدا عندي في أكثر المواضع، فإنه إذا أمكن قصر