العموم والامر يتعين تعريف الامر والاستغراق بالقرائن، فإن قوله تعالى: (فاقتلوا المشركين) (التوبة: 5) وإن أكده بقوله: كلهم وجميعهم فيحتمل الخصوص عندهم تقوله تعالى: (ولله) * (الأحقاف: 52) * ((27) وأوتيت من كل شئ) (النمل:
32) فإنه أريد به البعض، وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
الفصل السابع: في الحقيقة والمجاز اعلم أن اسم الحقيقة مشترك، إذ قد يراد به ذات الشئ وحده ويراد به حقيقة الكلام، ولكن إذا استعمل في الألفاظ أريد به ما استعمل في موضوعه. والمجاز ما استعمله العرب في غير موضوعه وهو ثلاثة أنواع، الأول: ما أستعير للشئ بسببه المشابهة في خاصية مشهورة، كقولهم للشجاع: أسد وللبليد: حمار، فلو سمي الأبخر أسدا لم يجز، لان البخر ليس مشهورا في حق الأسد. الثاني: الزيادة كقوله تعالى:
* (ليس كمثله شئ) * (الشورى: 11) فإن الكاف وضعت للإفادة، فإذا استعملت على وجه لا يفيد كان على خلاف الوضع. الثالث: النقصان الذي لا يبطل التفهيم، كقوله عز وجل:
* (واسأل القرية) * (يوسف: 28) والمعنى: واسأل أهل القرية، وهذا النقصان اعتادته العرب فهو توسع وتجوز، وقد يعرف المجاز بإحدى علامات أربع: الأولى: أن الحقيقة جارية على العموم في نظائره، إذ قولنا: عالم لما عني به ذو علم صدق على كل ذي علم، وقوله: * (واسئل القرية) * يصح في بعض الجمادات لإرادة صاحب القرية، ولا يقال: سل البساط والكوز، وإن كان قد يقال: سل الطلل والربع، لقربه من المجاز المستعمل. الثانية:
أن يعرف بامتناع الاشتقاق عليه، إذ الامر إذا استعمل في حقيقته اشتق منه اسم الآمر وإذا استعمل في الشأن مجازا لم يشتق منه آمر، والشأن هو المراد بقوله تعالى: * (وما أمر فرعون برشيد) * (هود: 79) وبقوله تعالى: * (إذا جاء أمرنا) * (هود: 04). الثالثة: أن تختلف صيغة الجمع على الاسم، فيعلم أنه مجاز في أحدهما، إذ الامر الحقيقي يجمع على أوامر، وإذا أريد به الشأن يجمع على أمور. الرابعة: أن الحقيقي إذا كان له تعلق بالغير، فإذا استعمل فيما لا تعلق له به لم يكن له متعلق كالقدرة إذا أريد بها الصفة، كان لها مقدور، وإن أريد بها المقدور كالنبات الحسن العجيب، إذ يقال: انظر إلى قدرة الله تعالى: أي إلى عجائب مقدوراته لم يكن له متعلق، إذ النبات لا مقدور له. واعلم أن كل مجاز فله حقيقة، وليس من ضرورة كل حقيقة أن يكون لها مجاز، بل ضربان من الأسماء لا يدخلهما المجاز، الأول: أسماء الاعلام، نحو: زيد وعمرو، لأنها أسام وضعت للفرق بين الذوات لا للفرق في الصفات، نعم الموضوع للصفات قد يجعل علما فيكون مجازا، كالأسود بن الحرث إذ لا يراد به الدلالة على الصفة مع أنه وضع له فهو مجاز، أما إذا قال: قرأت المزني وسيبويه وهو يريد كتابيهما فليس ذلك، إلا كقوله تعالى: * (واسأل القرية) * (يوسف: 28) فهو على طريق حذف اسم الكتاب، معناه: قرأت كتاب المزني، فيكون في الكلام مجاز بالمعنى الثالث المذكور للمجاز. الثاني: الأسماء التي لا أعم منها ولا أبعد، كالمعلوم والمجهول، والمدلول والمذكور، إذ لا شئ إلا وهو حقيقة فيه فكيف يكون مجازا عن شئ. هذا تمام المقدمة، ولنشتغل بالمقاصد، وهي كيفية اقتباس الاحكام من الصيغ والألفاظ المنطوق بها وهي أربعة أقسام.