- مسألة (العموم للألفاظ دون المعاني) المقتضى لا عموم له، وإنما العموم للألفاظ لا للمعاني، فتضمنها من ضرورة الألفاظ، بيانه: أن قوله: لا صيام لمن لم يبيت الصيام ظاهره ينفي صورة الصوم حسا، لكن وجب رده إلى الحكم، وهو نفي الاجزاء أو الكمال، وقد قيل: إنه متردد بينهما، فهو مجمل، وقيل إنه عام لنفي الاجزاء والكمال، وهو غلط، نعم: لو قال: لا حكم لصوم بغير تبييت، لكن الحكم لفظا عاما في الاجزاء والكمال، أما إذا قال لا صيام، فالحكم غير منطوق به، وإنما أثبت ذلك من طريق الضرورة، وكذلك قوله عليه السلام: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان معناه حكم الخطأ والنسيان ولا عموم له، ولو قال: لا حكم للخطأ لأمكن حمله على نفي الاثم والغرم وغير ذلك، لا على العموم في الاجزاء والكمال، لان الاجزاء الصحة إذا انتفيا كان انتفاء الكمال ضرورة، وإنما العموم ما يشتمل على معنيين يمكن انتفاء كل واحد منهما دون الآخر.
- مسألة (العام في الفعل المتعدي) الفعل المتعدي إلى مفعول اختلفوا في أنه بالإضافة إلى مفعولاته هل يجري مجرى العموم؟ فقال أصحاب أبي حنيفة: لا عموم له، حتى لو قال: والله لا آكل، ونوى طعاما بعينه، أو قال: إن أكلت فأنت طالق، ونوى طعاما بعينه، لم يقبل، وكذلك إذا نوى بالضرب آلة بعينها، واستدل أصحاب أبي حنيفة بأن هذا من قبيل المقتضى، فلا عموم له، لان الاكل يستدعي مأكولا بالضرورة، لا أن اللفظ تعرض له، فما ليس منطوقا لا عموم له، فالمكان للخروج، والطعام للاكل، والآلة للضرب، كالوقت للفعل، والحال للفاعل، ولو قال: أنت طالق، ثم قال: أردت به إن دخلت الدار، أو أردت به يوم الجمعة، لم يقبل، وكذلك قالوا: لو نوى بقوله: أنت طالق عددا، لم يجزه، وجوز أصحاب الشافعي ذلك، والانصاف أن هذا ليس من قبيل المقتضى، ولا هو من قبيل الوقت، والحال فإن اللفظ المعتدي إلى المفعول يدل على المفعول بصيغته ووضعه، فأما الحال والوقت فمن ضرورة وجود الأشياء، لكن لا تعلق بها بالألفاظ، والمقتضى هو ضرورة صدق الكلام، كقوله: لا صيام، أو ضرورة وجود المذكور كقوله: أعتق عني، فإنه يدل على حصول الملك قبله لا من حيث اللفظ، لكن من حيث كون الملك شرطا لتصور العتق شرعا، أما الاكل فيدل على المأكول والضرب على الآلة والخروج على المكان وتتشابه نسبته إلى الجميع فهو بالعموم أشبه، فإن قيل: لا خلاف في أنه لو أمر بالاكل والضرب والخروج كان ممتثلا بكل طعام وبكل آلة وكل مكان ولو علق العتق حصل بالجميع، فهذا يدل على العموم، قلنا: ليس ذلك لأجل العموم، ولكن لأجل أن ما علق عليه وجد، والآلة والمكان والمأكول غير متعرض له أصلا، حتى لو تصور هذه الأفعال دون الطعام والآلة والمكان والمأكول يحصل الامتثال، وهو كالوقت والحال فإنه إن أكل وهو داخل في الدار أو خارج وراكب أو راجل حنث وكان ممتثلا لا لعموم اللفظ، لكن لحصول الملفوظ في الأحوال كلها، وإنما تظهر فائدة العموم في إرادة بعض هذه الأمور، وإلا ظهر عندنا جواز نية البعض، وأنه جار مجرى العموم ومفارق للمقتضى كما ذكرنا . - مسألة (العموم في الافعال) لا يمكن دعوى العموم في الفعل، لان الفعل لا يقع إلا على وجه معين، فلا يجوز أن يحمل على كل وجه يمكن أن يقع عليه، لان سائر الوجوه متساوية بالنسبة إلى