محتملاته، والعموم ما يتساوى بالنسبة إلى دلالة اللفظ عليه، بل الفعل كاللفظ المجمل المتردد بين معان متساوية في صلاح اللفظ، ومثاله ما روي عن النبي (ص) أنه صلى بعد غيبوبة الشفق، فقال قائل: الشفق شفقان: الحمرة والبياض، وأنا أحمله على وقوع صلاة رسول الله (ص) بعدهما جميعا، وكذلك صلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الكعبة، فليس لقائل أن يستدل به على جواز الفرض في البيت، مصيرا إلى أن الصلاة تعم النفل والفرض، لأنه إنما يعم لفظ الصلاة لا فعل الصلاة، أما الفعل فإما أن يكون فرضا فلا يكون نفلا أو يكون نفلا فلا يكون فرضا.
- مسألة (هل الفعل النبي (ص) عموم؟) فعل النبي عليه السلام كما لا عموم له بالإضافة إلى أحوال الفعل، فلا عموم له بالإضافة إلى غيره، بل يكون خاصا في حقه إلا أن يقول: أريد بالفعل بيان حكم الشرع في حقكم، كما قال: صلوا كما رأيتموني أصلي بل نزيد ونقول قوله تعالى: * (يا أيها النبي اتق الله) * (الأحزاب: 1) وقوله: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * (الزمر: 56) مختص به بحكم اللفظ، وإنما يشاركه غيره بدليل لا بموجب هذا اللفظ، كقوله: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * (المائدة: 76) وقوله تعالى: * (فاصدع بما تؤمر) * (الحجر: 49).
وقال قوم: ما ثبت في حقه فهو ثابت في حق غيره إلا ما دل الدليل على أنه خاص به، وهذا فاسد، لان الاحكام إذ قسمت إلى خاص وعام فالأصل اتباع موجب الخطاب، فما ثبت بمثل قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا) * و * (يا أيها الناس) * و * (يا عبادي) * و * (يا أيها المؤمنون) * فيتناول النبي إلا ما استثنى بدليل، وما ثبت للنبي كقوله: * (يا أيها النبي) * فيختص به إلا ما دل الدليل على الالحاق، وقوله تعالى: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) * (الطلاق: 1) عام، لان ذكر النبي جرى في صدر الكلام تشريفا، وإلا فقوله: طلقتم عام في صيغته، وكذلك قوله النبي (ص) لأبي هريرة: افعل، ولابن عمر راجعها، خاص، إنما يشمل الحكم غيره بدليل آخر، مثل قوله: حكمي على الواحد حكمي على الجماعة أو ما جرى مجراه.
- مسألة (هل النهي يقتضي العموم؟) قول الصحابي: نهى النبي عليه السلام عن كذا، كبيع الغرر، ونكاح الشغار وغيره، لا عموم له، لان الحجة في المحكي، لا في قول الحاكي ولفظه، وما رواه الصحابي من حكى النهي يحتمل أن يكون فعلا لا عموم له نهى عنه النبي عليه السلام، ويحتمل أن يكون لفظا خاصا، ويحتمل أن يكون لفظا عاما، فإذا تعارض الاحتمالات لم يكن إثبات العموم بالتوهم، فإذا قال الصحابي: نهى عن بيع الرطب بالتمر، فيحتمل أن يكون قد رأى شخصا باع رطبا بتمر، فنهاه، فقال الراوي ما قال، ويحتمل أن يكون قد سمع الرسول عليه السلام ينهي عنه ويقول: أنهاكم عن بيع الرطب بالتمر، ويحتمل أن يكون قد سئل عن واقعة معينة فنهى عنها، فالتمسك بعموم هذا تمسك بتوهم العموم لا بلفظ عرف عمومه بالقطع، وهذا على مذهب من يرى هذا حجة في أصل النهي، وقد قال قوم: لا بد أن يحكي الصحابي قول الرسول ولفظه، وإلا فربما سمع ما يعتقده نهيا باجتهاده، ولا يكون نهيا، فإن قوله: لا تفعل فيه خلاف أنه للنهي أم لا، وكذلك في ألفاظ أخر، وكذلك إذا قال: نسخ