بالطلاق عاما مطلقا دخل أو لم يدخل، ثم أخرج ما قبل الدخول فليس هذا بصحيح. فإن قيل: قوله * (فاقتلوا المشركين) * إلا أهل الذمة، أو إن لم يكونوا ذميين، فلفظ المشركين متناول للجميع، ولأهل الذمة لكن خرج أهل الذمة بإخراجه بالشرط والاستثناء، قلنا: هو كذلك لو اقتصر عليه، ولذلك يمتنع الاخراج بالشرط، والاستثناء منفصلا ولو قدر على الاخراج لم يفرق بين المنفصل والمتصل، ولكن إذا لم يقتصر وألحق به ما هو جزء منه وإتمام له غير موضوع الكلام، فجعله كالناطق بالباقي ودفع دخول البعض، ومعنى الدفع أنه كان يدخل لولا الشرط والاستثناء فإذا لحقا قبل الوقوف دفعا، فقوله تعالى: * (فويل للمصلين) * (الماعون: 4) لا حكم له قبل إتمام الكلام، فإذا تم الكلام كان الويل مقصورا على من وجد فيه شرط السهو والرياء، لا أنه دخل فيه كل مصل ثم خرج البعض، فهكذا ينبغي أن يفهم حقيقة الاستثناء والشرط، فأعلموه ترشدوا.
القول في المطلق والمقيد اعلم أن التقييد اشتراط والمطلق محمول على المقيد إن اتحد الموجب والموجب كما لو قال: لا نكاح إلا بولي وشهود وقال: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فيحمل المطلق على المقيد، فلو قال في كفارة القتل: (فتحرير رقبة) (النساء: 92) ثم قال فيها مرة أخرى: (فتحرير رقبة) (النساء: 29) فيكون هذا اشتراطا ينزل عليه الاطلاق، وهذا صحيح، ولكن على مذهب من لا يرى بين الخاص والعام تقابل الناسخ والمنسوخ كما نقلناه عن القاضي والقاضي مع مصيره إلى التعارض نقل الاتفاق عن العلماء على تنزيل المطلق على المقيد عند اتحاد الحكم، أما إذا اختلف الحكم كالظهار والقتل، فقال قوم: يحمل المطلق على المقيد من غير حاجة إلى دليل، كما لو اتحدت الواقعة وهذا تحكم محض يخالف وضع اللغة إذ لا يتعرض القتل للظهار فكيف يرفع الاطلاق الذي فيه والأسباب المختلفة تختلف في الأكثر شروط واجباتها، كيف ويلزم من هذا تناقض، فإن الصوم مقيد بالتتابع في الظهار والتفريق في الحج، حيث قال تعالى:
* (ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) * (البقرة: 691) ومطلق في اليمين، فليت شعري على أي المقيدين يحمل، فقال قوم: لا يحمل على المقيد أصلا، وإن قام دليل القياس لأنه نسخ ولا سبيل إلى نسخ الكتاب بالقياس، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة، إذا جعل الزيادة على النص نسخا، وقد بينا فساد هذا في كتاب النسخ، وأن قوله تعالى: * (فتحرير رقبة) * (النساء: 92) ليس هو نصا في أجزاء الكافرة، بل هو عام يعتقد ظهوره مع تجويز قيام الدليل على خصوصه، أما أن يعتقد عمومه قطعا، فهذا خطأ في اللغة. وقال الشافعي رحمه الله: إن قام دليل حمل عليه، ولم يكن فيه إلا تخصيص العموم، وهذا هو الطريق الصحيح، فإن قيل:
إنما يطلب بالقياس حكم مما ليس منطوقا به في كفارة الظهار، ومقتضاها أجزاء الكافرة، قلنا بينا أن كون الكافرة منطوقا بها مشكوك فيه، إذ ليس تناول عموم الرقبة له كالتنصيص على الكافرة، وقد كشفنا الغطاء في مسألة تخصيص عموم القرآن بالقياس. هذا تمام القول في العموم والخصوص ولواحقه من الاستثناء والشرط والتقييد، وبه تم الكلام في الفن الأول وهو دلالة اللفظ على معناه من حيث الصيغة والوضع.