جميع ذلك تقييد للمأمور بصفة، والعاري عن تلك الصفة لا يتناوله اللفظ، بل يبقى على ما كان قبل الامر، فإن قيل: الوقت للعبادة كالأجل للدين، فكما لا يسقط الدين بانقضاء الاجل لا تسقط الصلاة الواجبة في الذمة بانقضاء المدة، قلنا: مثال الاجل الحول في الزكاة لا جرم لا تسقط الزكاة بانقضائه، لان الاجل مهلة لتأخير المطالبة حتى ينجز بعد المدة، وأما الوقت فقد صار وصفا للواجب، كالمكان والشخص، ومن أوجب عليه شئ بصفة، فإذا أتى به لا على تلك الصفة لم يكن ممتثلا، نعم يجب القضاء في الشرع إما بنص، كقوله: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها أو بقياس، فإنا نقيس الصوم، إذا نسيه على الصلاة إذا نسيها، ونراه في معناها، ولا نقيس عليه الجمعة ولا الأضحية، فإنهما لا يقضيان في غير وقتهما، وفي رمي الجمار تردد أنه بأي الأصلين أشبه، ولا نقيس صلاة الحائض على صومها في القضاء، لفرق النص، ولا نقيس صلاة الكافر وزكاته على صلاة المرتد وإن تساويا في أصل الامر والوجوب عندها.
- مسألة (في موضوع القضاء أيضا) ذهب بعض الفقهاء إلى أن الامر يقتضي وقوع الاجزاء بالمأمور به إذا امتثل، وقال بعض المتكلمين: لا يدل على الاجزاء لا بمعنى أنه لا يدل على كونه طاعة وقربة وسبب ثواب وامتثالا، لكن بمعنى أنه لا يمنع الامتثال من وجوب القضاء، ولا يلزم حصول الاجزاء بالأداء، بدليل أن من أفسد حجه فهو مأمور بالاتمام، ولا يجزئه، بل يلزمه القضاء، ومن ظن أنه متطهر فهو مأمور بالصلاة وممتثل إذا صلى ومطيع ومتقرب ويلزمه القضاء، فلا يمكن إنكار كونه مأمورا ولا إنكار كونه ممتثلا حتى يسقط العقاب، ولا إنكار كونه مأمورا بالقضاء، فهذه أمور مقطوع بها، والصواب عندنا أن نفصل ونقول: إذا ثبت أن القضاء يجب بأمر متجدد وأنه مثل الواجب الأول فالامر بالشئ لا يمنع إيجاب مثله بعد الامتثال، وهذا لا شك فيه، ولكن ذلك المثل إنما يسمى قضاء. إذا كان فيه تدارك لفائت من أصل العبادة أو وصفها، وإن لم يكن فوات وخلل استحال تسميته قضاء فنقول الامر يدل على أجزاء المأمور. إذا أدى بكمال وصفه وشرطه من غير خلل، وإن تطرق إليه خلل كما في الحج الفاسد والصلاة على غير الطهارة فلا يدل الامر على أجزائه بمعنى منع إيجاب القضاء، فإن قيل: فالذي ظن أنه متطهر مأمور بالصلاة على تلك الحالة أو مأمور بالطهارة، فإن كان مأمور بالطهارة مع تنجز الصلاة، فينبغي أن يكون عاصيا، وإن كان مأمورا بالصلاة على حالته فقد امتثل من غير خلل، فبم عقل إيجاب القضاء؟ وكذلك المأمور بإتمام الحج الفاسد أتم كما أمر، قلنا: هذا مأمور بالصلاة مع الخلل بضرورة نسيانه، فقد أتى بصلاة مختلة فاقدة شرطها لضرورة حاله، فعقل الامر لتدارك الخلل، أما إذا لم يكن الخلل لا عن قصد ولا عن نسيان فلا تدارك فيه، فلا يعقل إيجاب قضائه، وهو المعني بأجزائه، وكذلك مفسد الحج مأمور بحج خال عن فساد، وقد فوت على نفسه ذلك فيقضيه.
- مسألة (دليل الامر) الامر بالامر بالشئ ليس أمرا بالشئ ما لم يدل عليه دليل، مثاله قوله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) * (التوبة: 301) لا يدل على وجوب الأداء بمجرده على الأمة، وربما ظن ظان أنه يدل على الوجوب، وليس الامر كذلك،