رسول الله (ص) وظن أنه سمعه من الرسول (ص) أو تطرق إليه نسخ لم يسمعه الراوي وعرفه أهل الاجماع، وإن لم ينكشف لنا، فإن رجع الراوي كان مخطئا، لأنه خالف الاجماع وهو حجة قاطعة، وإن رجع أهل الاجماع إلى الخبر قلنا: كان ما أجمعوا عليه حقا في ذلك الزمان إذ لم يكلفهم الله ما لم يبلغهم، كما يكون الحكم المنسوخ حقا قبل بلوغ النسخ، وكما لو تغير الاجتهاد أو يكون كل واحد من الرأيين حقا عند من صوب قول كل مجتهد، فإن قيل: فإن جاز هذا فلم لا يجوز أن يقال: إذا أجمعت الأمة عن اجتهاد جاز لمن بعدهم الخلاف، بل جاز لهم الرجوع، فإن ما قالوه كان حقا ما دام ذلك الاجتهاد باقيا، فإذا تغير تغير الفرض والكل حق، لا سيما إذا اختلفوا عن اجتهاد ثم رجعوا إلى قول واحد، وهلا قلتم: إن ذلك جائز لانهم كانوا يجوزون للذاهب إلى إنكار العول وبيع أم الولد القول به ما غلب ذلك على ظنه، فإذا تغير ظنه تغير فرضه وحرم عليه ما كان سائغا له، ولا يكون هذا رفعا للاجماع بل تجويزا للمصير إلى مذهب بشرط غلبة الظن، فإذا تغير الظن لم يكن مجوزا، ويكون هذا مخلصا سادسا في المسألة التي قبل هذه المسألة؟ قلنا: ما أجمعوا عليه عن اجتهاد لا يجوز خلافه بعده، لا لأنه حق فقط، لكن لأنه حق اجتمعت الأمة عليه، وقد أجمعت الأمة على أن كل ما أجمعت الأمة عليه يحرم خلافه لا كالحق الذي يذهب إليه الآحاد، وأما إذا اختلفوا عن اجتهاد فقد اتفقوا على جواز القول الثاني، فيصير جواز المصير إليه أمرا متفقا عليه، ولا يجوز أن يقيد بشرط بقاء الاجتهاد، كما لو اتفقوا على قول واحد بالاجتهاد، فإنه لا يشترط فيه أن لا يتغير الاجتهاد، بل يحرم خلافه مطلقا من غير شرط، فكذلك هذا فإن قيل: فلو ظهر للتابعين ذلك الخبر على خلاف ما أجمعت الصحابة عليه ونقله إليهم من كان حاضرا عند إجماع أهل الحل والعقد، ولم يكن الراوي من أهل الحل والعقد؟ قلنا: يحرم على التابعين موافقته ويجب عليه اتباع الاجماع القاطع فإن خبر الواحد يحتمل النسخ والسهو والاجماع لا يحتمل ذلك.
- مسألة (هل يثبت الاجماع بخبر الواحد) الاجماع لا يثبت بخبر الواحد، خلافا لبعض الفقهاء، والسر فيه أن الاجماع دليل قاطع يحكم به على الكتاب والسنة المتواترة، وخبر الواحد، لا يقطع به فكيف يثبت به قاطع وليس يستحيل التعبد به عقلا لو ورد كما ذكرناه في نسخ القرآن بخبر الواحد، لكن لم يرد، فإن قيل: فليثبت في حق وجوب العمل به إن لم يكن العمل به مخالفا لكتاب ولا سنة متواترة، إذ الاجماع كالنص في وجوب العمل، والعمل بما ينقله الراوي من النص واجب، وإن لم يحصل القطع به لصحة النص، فكذا الاجماع؟ قلنا: إنما يثبت العمل بخبر الواحد اقتداء بالصحابة وإجماعهم عليه، وذلك فيما روي عن رسول الله (ص). أما ما روي عن الأمة من اتفاق أو إجماع، فلم يثبت فيه نقل وإجماع، ولو أثبتناه لكان ذلك بالقياس، ولم يثبت لنا صحة القياس في إثبات أصول الشريعة، هذا هو الاظهر، ولسنا نقطع ببطلان مذهب من يتمسك به في حق العمل خاصة، والله أعلم.
- مسألة (ليست من الاجماع الاخذ بالأقل) الاخذ بأقل ما قيل ليس تمسكا بالاجماع خلافا لبعض الفقهاء، ومثاله: إن الناس اختلفوا في دية اليهودي، فقيل: إنها مثل دية المسلم، وقيل: إنها مثل نصفها، وقيل