بسم الله الرحمن الرحيم خطبة الكتاب الحمد لله القوي القادر، الولي الناصر، اللطيف القاهر، المنتقم الغافر، الباطن الظاهر، الأول الآخر، الذي جعل العقل أرجح الكنوز والذخائر، والعلم أربح المكاسب والمتاجر، وأشرف المعالي والمفاخر، وأكرم المحامد والمآثر، وأحمد الموارد والمصادر، فشرفت بإثباته الأقلام والمحابر، وتزينت بسماعه المحاريب والمنابر، وتحلت برقومه الأوراق والدفاتر، وتقدم بشرفه الأصاغر على الأكابر، واستضاءت ببهائه الاسرار والضمائر، وتنورت بأنواره القلوب والبصائر، واستحقر في ضيائه ضياء الشمس الباهر على الفلك الدائر، واستصغر في نوره الباطن ما ظهر من نور الأحداق والنواظر، حتى تغلغل بضيائه في أعماق المغمضات جنود الخواطر، وإن كلت عنها النواظر، وكثفت عليها الحجب والسواتر.
والصلاة على محمد رسوله ذي العنصر الطاهر، والمجد المتظاهر، والشر ف المتناصر، والكرم المتقاطر، المبعوث بشيرا للمؤمنين، ونذيرا للكافرين، وناسخا بشرعه كل شرع غابر ودين داثر، المؤيد بالقرآن المجيد، الذي لا يمله سامع ولا آثر، ولا يدرك كنه جزالته ناظم ولا ناثر، ولا يحيط بعجائبه وصف واصف ولا ذكر ذاكر، وكل بليغ دون ذوق فهم جليات أسراره قاصر، وعلى آله وأصحابه وسلم كثيرا، كثرة ينقطع دونها عمر العاد الحاصر.
أما بعد: فقد تناطق قاضي العقل، وهو الحاكم الذي لا يعزل ولا يبدل، وشاهد الشرع وهو الشاهد المزكى المعدل، بأن الدنيا دار غرور لا دار سرور، ومطية عمل لا مطية كسل، ومنزل عبور لا متنزه حبور، ومحل تجارة لا مسكن عمارة، ومتجر بضاعتها الطاعة، وربحها الفوز يوم تقوم الساعة، والطاعة طاعتان، عمل وعلم، والعلم أنجحها وأربحها، فإنه أيضا من العمل، ولكنه عمل القلب الذي هو أعز الأعضاء، وسعي العقل الذي هو أشرف الأشياء، لأنه مركب الديانة، وحامل الأمانة، إذ عرضت على الأرض والجبال والسماء فأشفقن من حملها وأبين أن يحملنها غاية الاباء.
ثم العلوم ثلاثة:
1 - عقلي محض، لا يحث الشرع عليه ولا يندب إليه، كالحساب والهندسة والنجوم وأمثاله من العلوم فهي بين ظنون كاذبة لائقة، وإن بعض الظن إثم، وبين علوم صادقة لا منفعة لها، ونعوذ بالله من علم لا ينفع، وليست المنفعة في الشهوات الحاضرة، والنعم الفاخرة، فإنها فانية داثرة، بل النفع ثواب دار الآخرة.