لا مثال له في النفس لا مثال له في الوجود، فإن قيل: فإذا لم يعلم عجز المأمور عن القيام تصور أن يقوم بذاته طلب القيام قلنا: ذلك طلب مبني على الجهل، وربما يظن الجاهل أن ذلك تكليف فإذا انكشف تبين أنه لم يكن طلبا، وهذا لا يتصور من الله تعالى. فإن قيل:
فإذا لم تؤثر القدرة الحادثة في الايجاد وكانت مع الفعل كان كل تكليف تكليفا بما لا يطاق قلنا: نحن ندرك بالضرورة تفرقه بين أن يقال للقاعد الذي ليس بزمن: أدخل البيت، وبين أن يقال له إطلع السماء، أو يقال له: قم، مع استدامة القعود، أو إقلب السواد حركة والشجرة فرسا، إلا أن النظر في أن هذه التفرقة إلى ماذا ترجع ويعلم أنها ترجع إلى تمكن، وقدرة بالإضافة إلى أحد هذه الأوامر دون البقية، ثم النظر في تفصيل تأثير القدرة، وقت حدوث القدرة كيف ما استقر أمره لا يشككنا في هذا، ولذلك جاز أن نقول: * (لا تحملنا ما لا طاقة لنا به) * (البقرة: 682) فإن استوت الأمور كلها فأي معنى لهذا الدعاء، وأي معنى لهذه التفرقة الضرورية؟
فغرضنا من هذه المسألة غير موقوف على البحث عن وجه تأثير القدرة ووقتها، وعلى الجملة سبب غموض هذا، أن التكليف نوع خاص من كلام النفس، وفي فهم أصل كلام النفس غموض، فالتفريع عليه، وتفصيل أقسامه لا محالة يكون أغمض.
- مسألة (الجمع بين الأضداد) كما لا يجوز أن يقال: إجمع بين الحركة والسكون، لا يجوز أن يقال: لا تتحرك ولا تسكن، لان الانتهاء عنهما محال، كالجمع بينهما، فإن قيل: فمن توسط مزرعة مغصوبة فيحرم عليه المكث ويحرم عليه الخروج، إذ في كل واحد، إفساد زرع الغير فهو عاص بهما؟ قلنا: حظ الأصولي من هذا أن يعلم أنه لا يقال له: لا تمكث ولا تخرج، ولا ينهى عن الضدين، فإنه محال: كما لا يؤمر بجمعهما، فإن قيل: فما يقال له؟ قلنا: يؤمر بالخروج كما يؤمر المولج في الفرج الحرام بالنزع، وإن كان به مماسا للفرج الحرام، ولكن يقال له:
إنزع على قصد التوبة، لا على قصد الالتذاذ، فكذلك في الخروج من الغصب تقليل الضرر في المكث تكثيره، وأهون الضررين يصير واجبا وطاعة بالإضافة إلى أعظمهما، كما يصير شرب الخمر واجبا في حق من غص بلقمة، وتناول طعام الغير واجبا على المضطر في المخمصة وإفساد مال الغير ليس حراما لعينه، ولذلك لو أكره عليه بالقتل وجب أو جاز، فإن قيل: فلم يجب الضمان بما يفسده في الخروج؟ قلنا: الضمان لا يستدعي العدوان إذ يجب على المضطر في المخمصة مع وجوب الاتلاف ويجب على الصبي وعلى من رمى إلى صف الكفار وهو مطيع به فإن قيل فالمضي في الحج الفاسد إن كان حراما للزوم القضاء فلم يجب، وإن كان واجبا و طاعة، فلم وجب القضاء ولم عصى به؟ قلنا: عصى بالوطء المفسد، وهو مطيع بإتمام الفاسد، والقضاء يجب بأمر مجدد، وقد يجب بما هو طاعة إذا تطرق إليه خلل، وقد يسقط القضاء بالصلاة في الدار المغصوبة، مع أنه عدوان، فالقضاء كالضمان، فإن قيل: فبم تنكرون على أبي هاشم حيث ذهب إلى أنه لو مكث عصى ولو خرج عصى، وأنه ألقى بنفسه في هذه الورطة، فحكم العصيان ينسحب على فعله، قلنا: وليس لاحد أن يلقي بنفسه في حال تكلف ما لا يمكن، فمن ألقى نفسه من سطح فانكسرت رجله لا يعصى بالصلاة قاعدا، وإنما يعصى بكسر الرجل لا بترك الصلاة قائما، وقول القائل ينسحب