ظن لو انفرد بنفسه لوجب اتباعه، وهلا قضيتم بالتخيير أو التوقف؟ قلنا: كان يجوز أن يرد التعبد بالتسوية بين الظنين وإن تفاوتا، لكن الاجماع قد دل على خلافه على ما علم من السلف في تقديم بعض الأخبار على بعض لقوة الظن بسبب علم الرواة وكثرتهم وعدالتهم وعلو منصبهم، فلذلك قدموا خبر أزواجه عليه السلام على غيره من النساء، وقدموا خبر عائشة رضي الله عنها في التقاء الختانين على خبر من روى: لإماء إلا من الماء وخبر من روت من أزواجه أنه كان يصبح جنبا على ما روى أبو هريرة عن الفضل بن عباس أن من أصبح جنبا فلا صوم له، وكما قوي علي خبر أبي بكر فلم يحلفه وحلف غيره، وقوى أبو بكر خبر المغيرة في ميراث الجدة لما روى معه محمد بن مسلمة، وقوى عمر خبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان بموافقة أبي سعيد الخدري في الرواية، إلى غير ذلك مما يكثر تتبعه، وكذلك إذا غلب على الظن كون الفرع أشبه بأحد الأصلين وجب اتباعه بالاجماع، فقد فهم من أهل الاجماع أنهم تعبدوا بما هو عادة للناس في ميراثهم وتجارتهم و سلوكهم الطرق المخوفة: فإنهم عند تعارض الأسباب المخوفة يرجحون ويميلون إلى الأقوى. فإن قيل: فلم لم ترجحوا في الشهادة بالكثرة وقوة غلبة الظن، بل يقضي بالتعارض عند تناقض البينتين، قلنا: لان أهل الاجماع لم يرجحوا في الشهادة، وقد رجحوا في الرواية، وسببه أن باب الشهادة مبني على التعبد، حتى لو أتى عشرة بلفظ الاخبار دون الشهادة لم تقبل ولا تقبل شهادة مائة امرأة ولا مائة عبد على باقة بقل، هذه هي المقدمات.
الباب الأول فيما ترجح به الاخبار اعلم أن التعارض هو التناقض، فإن كان في خبرين فأحدهما كذب، والكذب محال على الله ورسوله، وإن كان في حكمين من أمر ونهي وحظر وإباحة، فالجمع تكليف محال فأما أن يكون أحدهما كذبا أو يكون متأخرا ناسخا أو أمكن الجمع بينهما بالتنزيل على حالتين، كما إذا قال: الصلاة واجبة على أمتي، الصلاة غير واجبة على أمتي، فنقول: أراد بالأول المكلفين، وأراد بالثاني الصبيان والمجانين، أو في حالتي العجز والقدرة، أو في زمن دون زمن. وإن عجزنا عن الجمع وعن معرفة المتقدم والمتأخر رجحنا وأخذنا بالأقوى وتقوى الخبر في نفوسنا بصدق الراوي وصحته، وتضعيف الخبر في نفوسنا إما باضطراب في متنه أو بضعف في سنده أو بأمر خارج من السند والمتن، أما ما يتعلق بالسند والمتن فسبعة عشر:
الأول: سلامة متن أحد الخبرين عن الاختلاف والاضطراب دون الآخر فسلامته مرجحة، فإن ما لا يضطرب فهو بقول الرسول أشبه، فإن انضاف إلى اضطراب اللفظ اضطراب المعنى كان أبعد عن أن يكون قول الرسول فيدل على الضعف وتساهل الراوي في الرواية. فإن قيل: فيجب أن تكون رواية الزيادة في متن الحديث اضطرابا يوجب إطراحه؟ قلنا: لا يجب، لأنه في معنى خبرين منفصلين إلا أن يعرف محدث بكثرة الانفراد بالرواية عن الحفاظ، فيجوز أن يقدم خبر غيره على خبره. الثاني: اضطراب السند بأن يكون في أحدهما ذكر رجال تلتبس أسماؤهم ونعوتهم وصفاتهم بأسماء قوم ضعفاء وصفاتهم بحيث يعسر التمييز.
الثالث: أن يروي أحدهما في تضاعيف قصة مشهورة متداولة بين أهل النقل ومعارضة قد