العرب إنما تفهم من قوله تعالى: * (وهو القاهر فوق عباده) * (الانعام: 81) و: * (الرحمن على العرش استوى) * (طه: 5) الجهة والاستقرار، وقد أريد به غيره، فهو متشابه؟ قلنا:
هيهات فإن هذه كنايات واستعارات يفهمها المؤمنون من العرب، المصدقون بأن الله تعالى ليس كمثله شئ، وأنها مؤولة تأويلات تناسب تفاهم العرب.
النظر الرابع في أحكامه ومن أحكامه تطرق التأويل إلى ظاهر ألفاظه وتطرق التخصيص إلى صيغ عمومه، وتطرق النسخ إلى مقتضياته، أما التخصيص والتأويل فسيأتي في القطب الثالث إذا فصلنا وجوه الاستثمار والاستدلال من الصيغ والمفهوم وغيرها، وأما النسخ فقد جرت العادة بذكره بعد كتاب الاخبار، لان النسخ يتطرق إلى الكتاب والسنة جميعا، لكنا ذكرناه في أحكام الكتاب لمعنيين: أحدهما: إن إشكاله وغموضه من حيث تطرقه إلى كلام الله تعالى مع استحالة البداءة عليه. الثاني: إن الكلام على الاخبار قد طال لأجل تعلقه بمعرفة طرقها من التواتر والآحاد، فرأينا ذكره على أثر أحكام الكتاب أولى.
وهذا:
كتاب النسخ والنظر في حده وحقيقته ثم في إثباته على منكريه، ثم في أركانه وشروطه وأحكامه فنرسم فيه أبوابا الباب الأول: في حده وحقيقته وإثباته أما حده: فاعلم أن النسخ عبارة عن الرفع والإزالة في وضع اللسان، يقال: نسخت الشمس الظل، ونسخت الريح الآثار إذا أزالتها، وقد يطلق لإرادة نسخ الكتاب، فهو مشترك، ومقصودنا النسخ الذي هو بمعنى الرفع والإزالة فنقول: حده أنه الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا به مع تراخيه عنه، وإنما آثرنا لفظ الخطاب على لفظ النص ليكون شاملا للفظ والفحوى والمفهوم وكل دليل، إذ يجوز النسخ بجميع ذلك، وإنما قيدنا الحد بالخطاب المتقدم، لان ابتداء إيجاب العبادات في الشرع مزيل حكم العقل من براءة الذمة، ولا يسمى نسخا، لأنه لم يزل حكم خطاب، وإنما قيدنا بارتفاع الحكم، ولم نقيد بارتفاع الأمر والنهي ليعم جميع أنواع الحكم، من الندب والكراهة والإباحة، فجميع ذلك قد ينسخ، وإنما قلنا: لولاه لكان الحكم ثابتا به، لان حقيقة النسخ الرفع، فلو لم يكن هذا ثابتا لم يكن هذا رافعا، لأنه إذا ورد أمر بعبادة موقتة وأمر بعبادة أخرى بعد تصرم ذلك الوقت لا يكون الثاني نسخا، فإذا قال: * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * (البقرة: 781)، ثم قال: في الليل لا تصوموا، لا يكون ذلك نسخا بل الرافع ما لا يرتفع الحكم لولاه، وإنما قلنا: مع تراخيه عنه، لأنه لو اتصل به لكان بيانا وإتماما لمعنى الكلام وتقديرا له بمدة أو شرط، وإنما يكون رافعا إذا ورد بعد أن ورد الحكم واستقر بحيث يدوم لولا الناسخ. وأما الفقهاء فإنهم لم يعقلوا الرفع لكلام الله تعالى فقالوا في حد النسخ: أنه الخطاب الدال الكاشف عن مدة العبادة أو عن زمن انقطاع العبادة، وهذا يوجب أن يكون قوله: صم بالنهار