القطب الثاني في أدلة الاحكام وهي أربعة الكتاب والسنة والاجماع، ودليل العقل المقرر على النفي الأصلي، فأما قول الصحابي وشريعة من قبلنا فمختلف فيه.
الأصل الأول من أصول الأدلة كتاب الله تعالى واعلم أنا إذا حققنا النظر بان أن أصل الاحكام واحد، وهو قول الله تعالى، إذ قول مشغول الرسول (ص) ليس بحكم ولا ملزم، بل هو مخبر عن الله تعالى أنه حكم بكذا وكذا، فالحكم لله تعالى وحده، والاجماع يدل على السنة، والسنة على حكم الله تعالى، وأما العقل فلا يدل على الأحكام الشرعية بل يدل على نفي الاحكام عند انتفاء السمع، فتسمية العقل أصلا من أصول الأدلة تجوز على ما يأتي تحقيقه، إلا أنا إذا نظرنا إلى ظهور الحكم في حقنا فلا يظهر إلا بقول الرسول عليه السلام، لأنا لا نسمع الكلام من الله تعالى ولا من جبريل، فالكتاب يظهر لنا بقول الرسول (ص)، فإذن إن اعتبرنا المظهر لهذه الأحكام فهو قول الرسول فقط، إذ الاجماع يدل على أنهم استندوا إلى قوله، وإن اعتبرنا السبب الملزم فهو واحد، وهو حكم الله تعالى، لكن إذا لم نجرد النظر وجمعنا المدارك صارت الأصول التي يجب النظر فيها أربعة كما سبق، فلنبدأ بالكتاب والنظر في حقيقته، ثم في حده المميز له عما ليس بكتاب، ثم في ألفاظه، ثم في أحكامه.
النظر الأول: في حقيقته ومعناه هو الكلام القائم بذات الله تعالى، وهو صفة قديمة من صفاته، والكلام اسم مشترك قد يطلق على الألفاظ الدالة على ما في النفس تقول:
سمعت كلام فلان وفصاحته، وقد يطلق على مدلول العبارات، وهي المعاني التي في النفس كما قيل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا وقال الله تعالى: * (ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول) * (المجادلة: 8) وقال تعالى: * (وأسروا قولكم أو اجهروا به) * (الملك: 31) فلا سبيل إلى إنكار كون هذا الاسم مشتركا، وقد قال قوم: وضع في الأصل للعبارات، وهو مجاز في مدلولها، وقيل عكسه ولا يتعلق به غرض بعد ثبوت الاشتراك، وكلام النفس ينقسم إلى خبر واستخبار، وأمر ونهي وتنبيه، وهي معان تخالف بجنسها الإرادات والعلوم، وهي متعلقة بمتعلقاتها لذاتها كما تتعلق القدرة والإرادة والعلم، وزعم قوم أنه يرجع إلى العلوم والإرادات، وليس جنسا برأسه، وإثبات ذلك على المتكلم لا على الأصولي.
فصل كلام الله تعالى واحد، وهو مع وحدته متضمن لجميع معاني الكلام كما أن علمه واحد، وهو مع وحدته محيط بما لا يتناهى من المعلومات، حتى لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وفهم ذلك غامض، وتفهيمه على المتكلم لا على