بالعمومات فلا حاجة إلى إضافتها إلى سبب، ويمكن أن يقال سبب وجوب الايمان والمعرفة الأدلة المنصوبة، وسبب وجوب الحج البيت دون الاستطاعة، ولما كان البيت واحدا لم يجب الحج إلا مرة واحدة، والايمان معرفة، فإذا حصلت دامت، والامر فيه قريب.
هذا قسم العبادات، وأما قسم الغرامات والكفارات والعقوبات، فلا تخفى أسبابها، وأما قسم المعاملات فلحل الأموال والابضاع وحرمتها أيضا أسباب ظاهرة من نكاح وبيع وطلاق وغيره، وهذا ظاهر، وإنما المقصود أن نصب الأسباب أسبابا للأحكام أيضا، حكم من الشرع، فلله تعالى في الزاني حكمان. أحدهما: وجوب الحد عليه. والثاني: نصب الزنا سببا للوجوب في حقه، لان الزنا لا يوجب الرجم لذاته وعينه، بخلاف العلل العقلية، وإنما صار موجبا بجعل الشرع إياه موجبا، فهو نوع من الحكم، فلذلك أوردناه في هذا القطب، ولذلك يجوز تعليله، ونقول: نصب الزنا علة للرجم. والسرقة علة للقطع لكذا وكذا، فاللواط في معناه فينتصب أيضا سببا، والنباش في معنى السارق، وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب القياس.
وأعلم أن اسم السبب مشترك في اصطلاح الفقهاء، وأصل اشتقاقه من الطريق، ومن الحبل الذي به ينزح الماء من البئر وحده ما يحصل الشئ عنده لا به، فإن الوصول بالسير لا بالطريق، ولكن لا بد من الطريق، ونزح الماء بالاستقاء لا بالحبل، ولكن لا بد من الحبل، فاستعار الفقهاء لفظ السبب من هذا الموضع، وأطلقوه على أربعة أوجه: الوجه الأول وهو أقربها إلى المستعار منه ما يطلق في مقابلة المباشرة، إذ يقال: إن حافر البئر مع المردي فيه صاحب سبب، والمردي صاحب علة، فإن الهلاك بالتردية لكن عند وجود البئر، فما يحصل الهلاك عنده لا به يسمى سببا. الثاني: تسميتهم الرمي سببا للقتل، من حيث أنه سبب للعلة، وهو على التحقيق علة العلة، ولكن لما حصل الموت لا بالرمي بل بالواسطة أشبه ما لا يحصل الحكم إلا به. الثالث: تسميتهم ذات العلة مع تخلف وصفها سببا، كقولهم: الكفارة تجب باليمين دون الحنث، فاليمين هو السبب، وملك النصاب هو سبب الزكاة دون الحول مع أنه لا بد منهما في الوجوب ويريدون بهذا السبب ما تحسن إضافة الحكم إليه، ويقابلون هذا بالمحل والشرط فيقولون: ملك النصاب سبب والحول شرط. الرابع: تسميتهم الموجب سببا، فيكون السبب بمعنى العلة، وهذا أبعد الوجوه عن وضع اللسان: فإن السبب في الوضع عبارة عما يحصل الحكم عنده لا به، ولكن هذا يحسن في العلل الشرعية، لأنها لا توجب الحكم لذاتها، بل بإيجاب الله تعالى، ولنصبه هذه الأسباب علامات لاظهار الحكم، فالعلل الشرعية في معنى العلامات المظهرة، فشابهت ما يحصل الحكم عنده.
الفصل الثاني: في وصف السبب بالصحة والبطلان والفساد إعلم أن هذا يطلق في العبادات تارة وفي العقود أخرى، وإطلاقه في العبادات مختلف فيه، فالصحيح عند المتكلمين عبارة عما وافق الشرع وجب القضاء أو لم يجب، وعند الفقهاء عبارة عما أجزأ وأسقط الفضاء، حتى أن صلاة من ظن أن متطهر صحيحة في اصطلاح المتكلمين، لأنه وافق الامر المتوجه عليه في الحال، وأما القضاء فوجوبه بأمر مجدد، فلا يشتق منه اسم الصحة، وهذه الصلاة فاسدة عند الفقهاء، لأنها غير مجزئة، وكذلك من قطع صلاته بإنقاذ