يكون جسما، وباطل أن لا يكون جسما، فثبت أنه جسم، فيلزم أن يكون الباري، تعالى جسما، ومحال أن يكون جسما فمحال أن يكون على العرش، وهذا السياق اشتمل على النظم الأول والثاني والثالث مختلطا كذلك، فمن لا يقدر على تحليله وتفصيله فربما انطوى التلبيس في تفاصيله وتضاعيفه فلا يتنبه لموضعه، ومن عرف المفردات أمكنه رد المختلطات إليها، فإذا لا يتصور النطق بالاستدلال إلا ويرجع إلى ما ذكرناه.
الفصل الثاني في بيان رجوع الاستقراء والتمثيل إلى ما ذكرناه أما الاستقراء فهو عبارة عن تصفح أمور جزئية لنحكم بحكمها على أمر يشمل تلك الجزئيات، كقولنا في الوتر ليس بفرض، لأنه يؤدى على الراحلة، والفرض لا يؤدى على الراحلة، فيقال: لم قلتم أن الفرض لا يؤدى على الراحلة؟ فيقال: عرفناه بالاستقراء، إذ رأينا القضاء والأداء والمنذور وسائر أصناف الفرائض لا تؤدى على الراحلة، فقلنا إن كل فرض لا يؤدى على الراحلة، ووجه دلالة هذا لا يتم إلا بالنظم الأول بأن يقول: كل فرض فإما قضاء أو أداء أو نذر، وكل قضاء وأداء ونذر فلا يؤدى على الراحلة، فكل فرض لا يؤدى على الراحلة، وهذا مختل يصلح للظنيات دون القطعيات، والخلل تحت قوله، إما أداء، فإن حكمه بأن كل أداء لا يؤدى على الراحلة يمنعه الخصم، إذ الوتر عنده أداء واجب ويؤدى على الراحلة، وإنما يسلم الخصم من الأداء الصلوات الخمس، وهذه صلاة سادسة عنده فيقول: وهل استقريت حكم الوتر في تصفحك وكيف وجدته؟ فإن قلت: وجدته لا يؤدى على الراحلة، فالخصم لا يسلم، فإن لم تتصفحه فلم يبين لك إلا بعض الأداء، فخرجت المقدمة الثانية عن أن تكون عامة وصارت خاصة، وذلك لا ينتج، لأنا بينا أن المقدمة الثانية في النظم الأول ينبغي أن تكون عامة، ولهذا غلط من قال أن صانع العالم جسم، لأنه قال: كل فاعل جسم، وصانع العالم فاعل، فهو إذا جسم، فقيل: لم قلت أن كل فاعل جسم؟ فيقول: لاني تصفحت الفاعلين من خياط وبناء وإسكاف وحجام وحداد وغيرهم فوجدتهم أجساما، فيقال: وهل تصفحت صانع العالم أم لا فإن لم تتصفحه فقد تصفحت البعض دون الكل فوجدت بعض الفاعلين جسما، فصارت المقدمة الثانية خاصة لا تنتج، وإن تصفحت الباري فكيف وجدته؟ فإن قلت وجدته جسما فهو محل النزاع، فكيف أدخلته في المقدمة، فثبت بهذا أن الاستقراء إن كان تاما رجع إلى النظم الأول، وصلح للقطعيات، وإن لم يكن تاما لم يصلح إلا للفقهيات، لأنه مهما وجد الأكثر على نمط غلب على الظن أن الآخر كذلك.
الفصل الثالث في وجه لزوم النتيجة من المقدمات وهو الذي يعبر عنه بوجه الدليل ويلتبس الامر فيه على الضعفاء فلا يتحققون أن وجه الدليل عين المدلول أو غيره فنقول: كل مفردين جمعتهما القوة المفكرة ونسبت أحدهما إلى الآخر بنفي أو إثبات وعرضته على العقل لم يخل العقل فيه من أحد أمرين، إما أن يصدق به أو يمتنع من التصديق، فإن صدق فهو الأولى المعلوم بغير واسطة، ويقال إنه معلوم بغير نظر ودليل وحيلة وتأمل، وكل ذلك بمعنى واحد، وإن لم يصدق فلا مطمع في التصديق إلا بواسطة وتلك الواسطة هي التي تنسب إلى الحكم، فيكون خبرا عنها، وتنسب إلى المحكوم عليه فتجعل