الأخفى الذي ذهب إليه الصحابي يترجح به، ولكن يختلف ذلك باختلاف المجتهدين، أما وجوب اتباعه ولم يصرح بنقل خبر فلا وجه له، وكيف وجميع ما ذكروه أخبار آحاد ونحن أثبتنا القياس والاجماع، وخبر الواحد بطرق قاطعة لا بخبر الواحد، وجعل قول الصحابي حجة كقول رسول الله (ص)، وخبره إثبات أصل من أصول الاحكام ومداركه فلا يثبت إلا بقاطع كسائر الأصول.
- مسألة (هل يجوز تقليد الصحابي؟) إن قال قائل: إن لم يجب تقليدهم فهل يجوز تقليدهم؟ قلنا: أما العامي فيقلدهم، وأما العالم فإنه إن جاز له تقليد العالم جاز له تقليدهم، وإن حرمنا تقليد العالم للعالم فقد اختلف قول الشافعي رحمه الله في تقليد الصحابة، فقال في القديم: يجوز تقليد الصحابي إذا قال قولا وانتشر قوله ولم يخالف وقال في موضع آخر: يقلد وإن لم ينتشر، ورجع في الجديد إلى أنه لا يقلد العالم صحابيا، كما لا يقلد عالما آخر، ونقل المزني عنه ذلك، وأن العمل على الأدلة التي بها يجوز للصحابة الفتوى وهو الصحيح المختار عندنا إذ كل ما دل على تحريم تقليد العالم للعالم كما سيأتي في كتاب (الاجتهاد) لا يفرق فيه بين الصحابي وغيره. فإن قيل: كيف لا يفرق بينهم مع ثناء الله تعالى وثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * (النساء: 95) وقال تعالى: * (لقد رضي الله عن المؤمنين) * (الفتح: 81) وقال رسول الله (ص): خير الناس قرني وقال (ص): أصحابي كالنجوم إلى غير ذلك؟ قلنا: هذا كله ثناء يوجب حسن الاعتقاد في علمهم ودينهم، ومحلهم عند الله تعالى، ولا يوجب تقليدهم لا جوازا ولا وجوبا فإنه (ص) أثنى أيضا على آحاد الصحابة، ولا يتميزون عن بقية الصحابة بجواز التقليد أو وجوبه، كقوله صلى الله عليه وسلم: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح وقال (ص): إن الله قد ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه يقول الحق وإن كان مرا وقال لعمر: والله ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجك، وقال (ص) في قصة أسارى بدر حيث نزلت الآية على وفق رأي عمر، لو نزل بلاء من السماء ما نجا منه إلا عمر وقال صلوات الله عليه: إن منكم لمحدثين وإن عمر لمنهم وكان علي رضي الله عنه وغيره من الصحابة يقولون ما كنا نظن إلا أن ملكا بين عينيه يسدده، وأن ملكا ينطق على لسانه، وقال (ص) في حق علي: اللهم أدر الحق مع علي حيث دار وقال صلى الله عليه وسلم: أقضاكم علي، وأفرضكم زيد، وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وقال عليه السلام: رضيت لامتي ما رضي ابن أم عبد وقال عليه السلام لأبي بكر وعمر: لو اجتمعا على شئ ما خالفتهما وأراد في مصالح الحرب، وكل ذلك ثناء لا يوجب الاقتداء أصلا.
فصل في تفريع الشافعي في القديم على تقليد الصحابة ونصوصه. قال في كتاب اختلاف الحديث: إنه روي عن علي أنه صلى في ليلة ست ركعات في كل ركعة ست سجدات، قال: لو ثبت ذلك عن علي لقلت به، وهذا لأنه رأى أنه لا يقول ذلك إلا عن