قبل التكفير وقبل التعيين، فيعلم الوجوب والطلاق على ما هو عليه من عدم التعيين مسألة (حكم الواجب غير المعروف) اختلفوا في الواجب الذي لا يتقدر بحد محدود، كمسح الرأس، والطمأنينة في الركوع والسجود، ومدة القيام، إنه إذا زاد على أقل الواجب هل توصف الزيادة بالوجوب؟ فلو مسح جميع الرأس هل يقع فعله بجملته واجبا؟ أو الواجب الأقل والباقي ندب، فذهب قوم إلى أن الكل يوصف بالوجوب، لان نسبة الكل إلى الامر واحد، والامر في نفسه أمر واحد، وهو أمر إيجاب، ولا يتميز البعض من البعض، فالكل امتثال، والأولى أن يقال: الزيادة على الأقل ندب، فإنه لم يجب إلا أقل ما ينطلق عليه الاسم، وهذا في الطمأنينة، والقيام وما وقع متعاقبا أظهر وكذلك المسح إذا وقع متعاقبا، وما وقع من جملته معا وإن كان لا يتميز بعضه من بعض بالإشارة والتعيين، فيحتمل أن يقال: قدر الأقل منه واجب، والباقي ندب، وإن لم يتميز بالإشارة المندوب عن الواجب، لان الزيادة على الأقل لا عقاب على تركها مطلقا من غير شرط بدل، فلا يتحقق فيه حد الوجوب.
مسألة (حقيقة الوجوب والجواز) الوجوب يباين الجواز والإباحة بحده فلذلك قلنا يقضي بخطأ من ظن أن الوجوب إذا نسخ بقي الجواز، بل الحق أنه إذا نسخ رجع الامر إلى ما كان قبل الوجوب من تحريم أو إباحة، وصار الوجوب بالنسخ، كأن لم يكن، فإن قيل: كل واجب فهو جائز، وزيادة، إذ الجائز ما لا عقاب على فعله، والواجب أيضا لا عقاب على فعله، وهو معنى الجواز، فإذا نسخ الوجوب فكأنه أسقط العقاب على تركه، فيبقى سقوط العقاب على فعله، وهو معنى الجواز، قلنا: هذا كقول القائل: كل واجب فهو ندب وزيادة، فإذا نسخ الوجوب بقي الندب، ولا قائل به. ولا فرق بين الكلامين، وكلاهما وهم بل الواجب لا يتضمن معنى الجواز فإن حقيقة الجواز التخيير بين الفعل والترك، والتساوي بينهما بتسوية الشرع، وذلك منفي عن الواجب، وذكر هذه المسألة ههنا أولى من ذكرها في كتاب النسخ، فإنه نظر في حقيقة الوجوب والجواز لا في حقيقة النسخ.
مسألة (الجواز ليس فيه أمر) كما فهمت أن الواجب لا يتضمن الجواز فافهم أن الجائز لا يتضمن الامر وأن المباح غير مأمور به، لتناقض حديهما كما سبق خلافا للبلخي، فإنه قال: المباح مأمور به، لكنه دون الندب، كما أن الندب مأمور به، لكنه دون الواجب، وهذا محال، إذ الامر اقتضاء وطلب، والمباح غير مطلوب، بل مأذون فيه، ومطلق له، فإن استعمل لفظ الامر في الاذن فهو تجوز، فإن قيل: ترك الحرام واجب، والسكون المباح يترك به الحرام من الزنا والسرقة والسكوت المباح أو الكلام المباح يترك به الكفر والكذب، وترك الكفر والكذب والزنا مأمور به؟ قلنا:
قد يترك بالندب حرام فليكن واجبا، وقد يترك بالحرام حرام آخر، فليكن الشئ الواحد واجبا حراما، وهو تناقض، ويلزم هذا على مذهب من زعم أن الامر بالشئ نهي عن ضده، والنهي عن الشئ أمر بأحد أضداده، بل يلزم عليه كون الصلاة حراما، إذا تحرم بها من ترك الزكاة