مسائل، وقال قوم: إن ذكر لنا ما هو الناسخ عنده لم نقلده، لكن نظرنا فيه، وإن أطلق فنحمله على أنه لم يطلق إلا عن معرفة قطعية، وهذا فاسد، بل الصحيح أنه إن ذكر الناسخ تأملنا فيه وقضينا برأينا، وإن لم يذكر لم نقلده وجوزنا أن يقول ذلك عن اجتهاد ينفرد به، هذا ما ذكره القاضي رحمه الله، والأصح عندنا أن نقبل كقول الصحابي أمر بكذا ونهى عن كذا، فإن ذلك يقبل كما سنذكره في كتاب الاخبار، ولا فرق بين اللفظين، فإن قيل: قالت عائشة رضي الله عنها: ما مات رسول الله (ص) إلا وقد أحلت له النساء اللاتي حظرن عليه بقوله تعالى: * (إنا أحللنا لك أزواجك) * (الأحزاب: 05) فقبل ذلك منها، قلنا: ليس ذلك مرضيا عندنا، ومن قبل فإنما قبل ذلك للدليل الناسخ ورآه صالحا للنسخ، ولم يقلد مذهبها.
خاتمة الكتاب فيما يعرف به تاريخ الناسخ اعلم أنه إذا تناقض نصان فالناسخ هو المتأخر، ولا يعرف تأخره بدليل العقل ولا بقياس الشرع، بل بمجرد النقل، وذلك بطرق: الأول: أن يكون في اللفظ ما يدل عليه كقوله عليه السلام: كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فالآن ادخروها وكقوله: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها. الثاني: أن تجمع الأمة في حكم على أنه المنسوخ وأن ناسخه الآخر. الثالث: أن يذكر الراوي التاريخ مثل أن يقول: سمعت عام الخندق، أو عام الفتح، وكان المنسوخ معلوما قبله، ولا فرق بين أن يروي الناسخ والمنسوخ راو واحد أو راويان، ولا يثبت التاريخ بطرق: الأول: أن يقول الصحابي: كان الحكم علينا كذا ثم نسخ لأنه ربما قاله عن اجتهاد. الثاني: أن يكون أحدهما مثبتا في المصحف بعد الآخر، لان السور والآيات ليس إثباتها على ترتيب النزول، بل ربما قدم المتأخر. الثالث: أن يكون راويه من أحداث الصحابة، فقد ينقل الصبي عمن تقدمت صحبته، وقد ينقل الأكابر عن الأصاغر وبعكسه. الرابع: أن يكون الراوي أسلم عام الفتح ولم يقل إني سمعت عام الفتح، إذ لعله سمع في حاله كفره، ثم روى بعد الاسلام، أو سمع ممن سبق بالاسلام. الخامس: أن يكون الراوي قد انقطعت صحبته، فربما يظن أن حديثه مقدم على حديث من بقيت صحبته، وليس من ضرورة من تأخرت صحبته أن يكون حديثه متأخرا عن وقت انقطاع صحبة غيره.
السادس: أن يكون أحد الخبرين على وفق قضية العقل والبراءة الأصلية، فربما يظن تقدمه ولا يلزم ذلك، كقوله (ص): لا وضوء مما مسته النار ولا يلزم أن يكون متقدما على إيجاب الوضوء مما مست النار إذ يحتمل أنه أوجب ثم نسخ والله أعلم. وقد فرغنا من الأصل الأول من الأصول الأربعة وهو الكتاب ويتلوه القول في سنة رسول الله صلى الله عليه، سلم.
الأصل الثاني: من أصول الأدلة سنة رسول الله صلى الله عليه سلم وقول رسول الله (ص) حجة، لدلالة المعجزة على صدقه، ولامر الله تعالى إيانا باتباعه، ولأنه * (وما ينطق عن الهوى ئ إن هو إلا وحي يوحى) * (النجم: 3) لكن بعض الوحي يتلى فيسمى كتابا، وبعضه لا يتلى وهو السنة. وقول رسول الله (ص) حجة على من