بقول شاهد واحد، فنحن مخطئون وإن كان هو صادقا، فإن قيل: إنما وجب إقامة المعجزة لنعرف صدقه فنتبعه فيما يشرعه فليجب عليه إزالة الشك فيما يبلغ من الشرع بالمشافهة والإشاعة إلى حد التواتر ليحصل العلم في حق من لم يشافهه به، قلنا لا استحالة في أن يقسم الشارع شرعه إلى ما يتعبد فيه بالعلم والعمل فيجب فيه، ما ذكرتموه وإلى ما يتعبد فيه بالعمل دون العلم: فيكون فرض من يسمع من الرسول العلم والعمل جميعا، وفرض من غاب العمل دون العلم، ويكون العمل منوطا بظن الصدق في الخبر، وإن كان هو كاذبا عند الله تعالى، وكذا الظن الحاصل من قياس وقول شاهد، ويمين المدعى عليه أو يمين المدعي مع النكول، فلا نحيل شيئا من ذلك.
القسم الثاني من هذا الأصل في أخبار الآحاد وفيه أبواب الباب الأول في إثبات التعبد به مع قصوره عن إفادة العلم وفيه أربع مسائل:
- مسألة (هل خبر الواحد يفيد العلم؟) اعلم أنا نريد بخبر الواحد في هذا المقام ما لا ينتهي من الاخبار إلى حد التواتر المفيد للعلم، فما نقله جماعة من خمسة أو ستة مثلا فهو خبر الواحد، وأما قول الرسول عليه السلام مما علم صحته فلا يسمى خبر الواحد، وإذا عرفت هذا فنقول: خبر الواحد لا يفيد العلم، وهو معلوم بالضرورة، إنا لا نصدق بكل ما نسمع، ولو صدقنا وقدرنا تعارض خبرين فكيف نصدق بالضدين، وما حكي عن المحدثين من أن ذلك يوجب العلم فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل، إذ يسمى الظن علما، ولهذا قال بعضهم:
يورث العلم الظاهر، والعلم ليس له ظاهر وباطن، وإنما هو الظن، ولا تمسك لهم في قوله تعالى: * (فإن علمتموهن مؤمنات) * (الممتحنة: 01) وأنه أراد الظاهر، لان المراد به العلم الحقيقي بكلمة الشهادة التي هي ظاهر الايمان دون الباطن الذي لم يكلف به، والايمان باللسان يسمى إيمانا مجازا، ولا تمسك لهم في قوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * (الاسراء: 63) وأن الخبر لو لم يفد العلم لما جاز العمل به، لان المراد بالآية منع الشاهد عن جزم الشهادة إلا بما يتحقق، وأما العلم بخبر الواحد فمعلوم الوجوب بدليل قاطع أوجب العمل عند ظن الصدق، والظن حاصل قطعا، ووجوب العمل عنده معلوم قطعا، كالحكم بشهادة اثنين، أو يمين المدعي مع نكول المدعى عليه.
- مسألة (هل يتعبد بخبر الواحد؟) أنكر منكرون جواز التعبد بخبر الواحد عقلا، فضلا عن وقوعه سمعا، فيقال لهم: من أين عرفتم استحالته؟ أبالضرورة ونحن نخالفكم فيه، ولا نزاع في الضرورة، أو بدليل ولا سبيل لهم إلى إثباته، لأنه لو كان محالا لكان يستحيل، إما لذاته أو لمفسدة تتولد منه، ولا يستحيل لذاته ولا التفات إلى المفسدة، ولا نسلم أيضا لو التفتنا إليها، فلا بد من بيان وجه المفسدة، فإن قيل: وجه المفسدة أن يروي الواحد خبرا في سفك دم أو في استحلال بضع، وربما يكذب، فيظن أن سفك الدم هو بأمر الله تعالى، ولا يكون بأمره، فكيف يجوز الهجوم بالجهل؟ ومن شككنا في إباحة بضعه وسفك دمه، فلا يجوز الهجوم عليه بالشك، فيقبح من الشارع حوالة الخلق على الجهل واقتحام الباطل بالتوهم، بل إذا أمر الله