الخطاب. وأما الدلالة من حيث ضرورة اللفظ واقتضاؤه فيتضمن جملة من إشارات الألفاظ كقول القائل: أعتق عبدك عني، فتقول: أعتقت، فإنه يتضمن حصول الملك للملتمس ولم يتلفظا به، لكنه من ضرورة ملفوظهما ومقتضاه. وأما الدلالة من حيث معقول اللفظ فهو كقوله (ص): لا يقضي القاضي وهو غضبان فإنه يدل على الجائع والمريض والحاقن بمعقول معناه، ومنه ينشأ القياس وينجر إلى بيان جميع أحكام القياس. وأقسامه.
القطب الرابع: في المستثمر: وهو المجتهد وفي مقابلته المقلد، وفيه يتبين صفات المجتهد وصفات المقلد، والموضع الذي يجري فيه الاجتهاد، دون الذي لا مجال للاجتهاد فيه، والقول في تصويب المجتهدين، وجملة أحكام الاجتهاد، فهذه جملة ما ذكر في علم الأصول، وقد عرفت كيفية انشعابها من هذه الأقطاب الأربعة.
بيان المقدمة ووجه تعلق الأصول بها اعلم أنه لما رجع حد أصول الفقه إلى معرفة أدلة الاحكام، اشتمل الحد على ثلاثة ألفاظ: المعرفة، والدليل، والحكم، فقالوا: إذا لم يكن بد من معرفة الحكم حتى كان معرفته أحد الأقطاب الأربعة، فلا بد أيضا من معرفة الدليل، ومعرفة المعرفة، أعني العلم، ثم العلم المطلوب لا وصول إليه إلا بالنظر، فلا بد من معرفة النظر، فشرعوا في بيان حد العلم والدليل والنظر ولم يقتصروا على تعريف صور هذه الأمور، ولكن انجر بهم إلى إقامة الدليل على إثبات العلم على منكريه من السوفسطائية، وإقامة الدليل على النظر على منكري النظر، وإلى جملة من أقسام العلوم وأقسام الأدلة، وذلك مجاوزة لحد هذا العلم، وخلط له بالكلام، وإنما أكثر فيه المتكلمون من الأصوليين لغلبة الكلام على طبائعهم، فحملهم حب صناعتهم على خلطه بهذه الصنعة، كما حمل حب اللغة والنحو بعض الأصوليين على مزج جملة من النحو بالأصول، فذكروا فيه من معاني الحروف ومعاني الاعراب جملا هي من علم النحو خاصة، وكما حمل حب الفقه جماعة من فقهاء ما وراء النهر، كأبي زيد رحمه الله وأتباعه، على مزج مسائل كثيرة من تفاريع الفقه بالأصول، فإنهم وإن أوردوها في معرض المثال وكيفية إجراء الأصل في الفروع، فقد أكثروا فيه، وعذر المتكلمين في ذكر حد العلم والنظر والدليل في أصول الفقه أظهر من عذرهم في إقامة البرهان على إثباتها مع المنكرين، لان الحد يثبت في النفس صور هذه الأمور، ولا أقل من تصورها إذا كان الكلام يتعلق بها، كما أنه لا أقل من تصور الاجماع والقياس لمن يخوض في الفقه، وأما معرفة حجية الاجماع وحجية القياس فذلك من خاصية أصول الفقه، فذكر حجية العلم والنظر على منكريه استجرار الكلام إلى الأصول، كما أن ذكر حجية الاجماع والقياس وخبر الواحد في الفقه استجرار الأصول إلى الفروع. وبعد أن عرفناك إسرافهم في هذا الخلط فإنا لا نرى أن نخلي هذا المجموع عن شئ منه، لان الفطام عن المألوف شديد، والنفوس عن الغريب نافرة، لكنا نقتصر من ذلك على ما تظهر فائدته على العموم في جملة العلوم من تعريف مدارك العقول وكيفية تدرجها من الضروريات إلى النظريات، على وجه يتبين فيه حقيقة العلم و النظر والدليل وأقسامها وحججها، تبينا بليغا تخلو عنه مصنفات الكلام.