معروفا بأنه كلف بأقاربه، فتوقف تنزيها لعرضه ومنصبه من أن يقول: متعنت، إنما قال ذلك لقرابته حتى ثبت ذلك بقول غيره، أو لعلهما توقفا ليسنا للناس التوقف في حق القريب الملاطف ليتعلم منهما التثبت في مثله. وأما خبر أبي موسى في الاستئذان فقد كان محتاجا إليه ليدفع به سياسة عمر عن نفسه لما انصرف عن بابه بعد أن قرع ثلاثا، كالمترفع عن المثول ببابه فخاف أن يصير ذلك طريقا لغيره إلى أن يروي الحديث على حسب غرضه، بدليل أنه لما رجع مع أبي سعيد الخدري وشهد له قال عمر: إني لم أتهمك، ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله (ص) ويجوز للامام التوقف مع انتفاء التهمة لمثل هذه المصلحة، كيف ومثل هذه الأخبار لا تساوي في الشهرة والصحة أحاديثنا في نقل القبول عنهم. وأما رد علي خبر الأشجعي فقد ذكر علته وقال: كيف نقبل قول أعرابي بوال على عقبيه بين أنه لم يعرف عدالته وضبطه، ولذلك وصفه بالجفاء وترك التنزه عن البول كما قال عمر في فاطمة بنت قيس في حديث السكنى لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت، فهذا سبيل الكلام على ما ينقل من التوقف في الاخبار.
الشبهة الثانية: تمسكهم بقوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * (الاسراء: 63) * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * (البقرة: 961) وقوله تعالى: * (وما شهدنا إلا بما علمنا) * (يوسف: 18) وقوله تعالى: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة) * (الحجرات: 6) والجهالة في قول العدل حاصلة، وهذا باطل من أوجه.
الأول: أن إنكارهم القول بخبر الواحد غير معلوم ببرهان قاطع، بل يجوز الخطأ فيه، فهو إذا حكم بغير علم. الثاني: أن وجوب العمل به معلوم بدليل قاطع من الاجماع فلا جهالة فيه.
الثالث: إن المراد من الآيات منع الشاهد عن جزم الشهادة بما لم يبصر ولم يمسع والفتوى بما لم يرو ولم ينقله العدول. الرابع: إن هذا لو دل على رد خبر الواحد لدل على شهادة الاثنين والأربعة، والرجل والمرأتين، والحكم باليمين، فكما علم بالنص في القرآن وجوب الحكم بهذه الأمور مع تجويز الكذب، فكذلك بالاخبار. الخامس: أنه يجب تحريم نصب الخلفاء والقضاة، لأنا لا نتيقن إيمانهم فضلا عن ورعهم، ولا نعلم طهارة إمام الصلاة عن الجنابة والحدث فليمتنع الاقتداء.
الباب الثاني في شروط الراوي وصفته وإذا ثبت وجوب العمل بخبر الواحد، فاعلم أن كل خبر فليس بمقبول، وافهم أولا أنا لسنا نعني بالقبول التصديق، ولا بالرد التكذيب، بل يجب علينا قبول قول العدل، وربما كان كاذبا أو غالطا، ولا يجوز قبول قول الفاسق، وربما كان صادقا، بل نعني بالمقبول ما يجب العمل به، وبالمردود ما لا تكليف علينا في العمل به، والمقبول رواية كل مكلف عدل مسلم ضابط، منفردا كان بروايته أو معه غيره، فهذه خمسة أمور لا بد من النظر فيها: الأول: أن رواية الواحد تقبل، وإن لم تقبل شهادته خلافا للجبائي وجماعة، حيث شرطوا العدد، ولم يقبلوا إلا قول رجلين، ثم لا تثبت رواية كل واحد إلا من رجلين آخرين، وإلى أن ينتهي إلى زماننا يكثر كثرة عظيمة لا يقدر معها على إثبات حديث أصلا، وقال قوم: لا بد من أربعة أخذا من شهادة الزنا، ودليل بطلان مذهبهم أنا نقول: إذا