للأب والام. والجواب: أنا نرجح هذا الاحتمال على احتمال التحكم بما رددنا به مذهب منكري القياس، كما في المؤثر، فإن العلة إذا أضيف الحكم إليها في محل احتمل أن يكون مختصا بذلك المحل، كما اختص تأثير الزنا بالمحصن وتأثير السرقة بالنصاب، فلا يبعد أن يؤثر الصغر في ولاية المال دون ولاية البضع وامتزاج الاخوة في التقديم في الميراث دون الولاية، وبه اعتصم نفاة القياس، لكن قيل لهم: علم من الصحابة رضي الله عنهم اتباع العلل، وإطراح تنزيل الشرع على التحكم ما أمكن، فكذلك ههنا ولا فرق، وأما قولهم: لعل فيه معنى آخر مناسبا هو الباعث للشارع ولم يظهر لنا، وإنما مالت أنفسنا إلى المعنى الذي ظهر لعدم ظهور الآخر لا لدليل دل عليه، فهو وهم محض. فنقول: غلبة الظن في كل موضع تستند إلى مثل هذا الوهم وتعتمد انتفاء الظهور في معنى آخر لو ظهر لبطلت غلبة الظن، ولو فتح هذا الباب لم يستقم قياس، فإن العلة الجامعة بين الفرع والأصل، وإن كانت مؤثرة فإنما يغلب على الظن الاجتماع لعدم ظهور الفرق، ولعل فيه معنى لو ظهر لزالت عنه غلبة الظن، ولعدم علة معارضة لتلك العلة، فلو ظهر أصل آخر يشهد للفرع بعلة أخرى تناقض العلة الأولى لا تدفع غلبة الظن، بل يحصل الظن من صيغ العموم والظواهر بشرط انتفاء قرينة مخصصة لو ظهرت لزال الظن، لكن إذا لم تظهر جاز التعويل عليه، وذلك لأنه لم يظهر لنا من إجماع الصحابة رضي الله عنهم على الاجتهاد إلا اتباع الرأي الأغلب، وإلا فلم يضبطوا أجناس غلبة الظن ، ولم يميزوا جنسا عن جنس، فإن سلمتم حصول الظن بمجرد المناسبة وجب اتباعه، فإن قيل: لا نسلم أن هذا ظن، بل هو وهم مجرد، فإن التحكم محتمل ومناسب آخر لم يظهر لنا محتمل وهذا الذي ظهر محتمل، ووهم الانسان مائل إلى طلب علة وسبب لكل حكم ثم أنه سباق إلى ما ظهر له وقاض بأنه ليس في الوجود إلا ما ظهر له فتقضي نفسه بأنه لا بد من سبب، ولا سبب إلا هذا فإذا هو السبب، فقوله: لا بد من سبب إن سلمناه ولم ينزل على التحكم ونقول بلا علة ولا سبب، فقوله: لا سبب إلا هذا، تحكم مستنده أنه لم يعلم إلا هذا، فجعل عدم علمه بسبب آخر علما بعدم سبب آخر، وهو غلط، وبمثل هذا الطريق أبطلتم القول بالمفهوم، إذ مستند القائل به أنه لابد من باعث على التخصيص، ولم يظهر لنا باعث سوى اختصاص الحكم، فإذا هو الباعث إذ قلتم بما عرفتم أنه لا باعث سواه؟ فلعله بعثه على التخصيص باعث لم يظهر لكم، وهذا كلام واقع في إمكان التعليل بمناسب لا يؤثر ولا يلائم. والجواب أن هذا استمداد من مأخذ نفاة القياس، وهو منقلب في المؤثر والملائم فإن الظن الحاصل به أيضا يقابله احتمال التحكم واحتمال فرق ينقدح واحتمال علة تعارض هذه العلة في الفرع، ولا فرق بين هذه الاحتمالات، ولولاها لم يكن الالحاق مظنونا بل مقطوعا، كإلحاق الأمة بالعبد، وفهم الضرب من التأفيف، وقول القائل: أن هذا وهم وليس بظن، ليس كذلك، فإن الوهم عبارة عن ميل النفس من غير سبب مرجح والظن عبارة عن الميل بسبب، ومن بنى أمره في المعاملات الدنيوية على الوهم سفه في عقله، ومن بناه على الظن كان معذورا، حتى لو تصرف في مال الطفل بالوهم ضمن، ولو تصرف بالظن لم يضمن، فمن رأى مركب الرئيس على باب دار السلطان فاعتقد أن الرئيس ليس في داره بل في دار
(٣١٣)