وأما الواقف فنقول له: إن أردت أنك توقفت عن الحكم لتوقفه عن السمع فمسلم، وإن أردت به أنك توقفت لتعارض الأدلة ففاسد، لأ نا بينا بطلانها فلا تعارض.
وقد يقال من قبل الحاظر: لا نسلم أن الضدين بلا واسطة مما لا حكم للعقل فيه لأ نه يحكم بإباحة أحدهما قطعا. ومن قبل المبيح: الفرض أن لا حكم فيه بخصوصه، إذ لا يدرك صفة محسنة أو مقبحة، ولا ينافي ذلك الحكم العام بالإباحة.
ومن قبل الواقف: أريد أن ثمة حكما بأحدهما في نفسه فالبعض مباح والبعض محظور ولا أدري أيهما هو في الفعل المعين، وهو غير ما رددت فيه من الأمرين (1) انتهى كلامه.
وأقول: أحكام الله تعالى الخمسة والوضعية والكلام النفسي عند الأشاعرة قديمان، ولتلك الأحكام تعلقان عندهم: تعلق عقلي قديم، وتعلق تنجيزي حادث يحدث عند اجتماع شرائط التكليف في العبد، وقبل ورود الشرائع لم يعلم عندهم هل لله عز وجل حكم أم لا؟ وعلى تقدير أن يكون لله تعالى حكم هل الكل الإباحة أو الكل الحرمة أو ملفق منهما؟ وهم اتفقوا على أن العبد بريء الذمة عن الأحكام كلها قبل بلوغ الخطاب إليه، ولو علم إجمالا بقول نبي أن هناك أحكاما.
وذكر رئيس الطائفة (قدس سره) في كتاب العدة:
فصل: في ذكر حقيقة الحظر والإباحة، والمراد بذلك. اعلم أن معنى قولنا في الشيء: " إنه محظور " أنه قبيح لا يجوز له فعله، إلا أنه لا يسمى بذلك إلا بعد أن يكون فاعله أعلم حظره أو دل عليه، ولأجل هذا لا يقال في أفعال الله تعالى: إنها محظورة لما لم يكن أعلم قبحها ولا دل عليه، وإن كان في أفعاله ما لو فعله كان قبيحا، فكذلك لا يقال في أفعال البهائم والمجانين أنها محظورة لما لم يكن هذه الأشياء أعلم قبحها ولا دل عليه. ومعنى قولنا: " إنه مباح " أنه حسن وليس له صفة زائدة على حسنه، ولا يوصف بذلك إلا بالشرطين الذين ذكرناهما: من إعلام فاعله ذلك أو دلالته عليه. وكذلك لا يقال: إن فعل الله تعالى العقاب بأهل النار مباح لما لم