من جملتها ان فيه تصريحا بأن الإذعان القلبي المتعلق بالقواعد الإيمانية من الله تعالى وليس من أفعالنا الاختيارية *، وفيه وجهان:
أحدهما: كونه ميلا قلبيا طبيعيا يترتب على المقدمات الفائضة على القلب من الله تعالى.
وثانيهما: كونه مخلوقا لله تعالى، وهو الحق، وهو صريح الأحاديث، وذهب إليه المتأخرون من المنطقيين، كما نقله عنهم العلامة الرازي في شرح الشمسية (2) إلا أنه من الأفعال القلبية وذكر السيد الشريف في حاشية شرح الشمسية وغيرها: قد توهموا أن الحكم فعل من أفعال النفس الصادرة عنها، بناء على أن الألفاظ التي يعبر بها عن الحكم تدل على ذلك كالإسناد والإيقاع والانتزاع والإيجاب والسلب وغيرها.
والحق أنه إدراك، لأ نا إذا راجعنا إلى وجداننا علمنا أنا بعد إدراك النسبة الحكمية الاتصالية والانفصالية لم يحصل لنا سوى ادراك أن تلك النسبة واقعة أي مطابقة لما في نفس الأمر، أو إدراك أنها ليست بواقعة أي غير مطابقة لما في نفس الأمر انتهى كلامه.
وهنا إشكال لا يزال كان يخطر ببالي في أوائل سني، وهو أنه كيف نقول بأن
____________________
* قد تقدم في الأحاديث السالفة: أن على العبد قبول ما خلق الله له وعرفه به من المعرفة به والنبوة والإمامة، وذلك يقتضي أن يكون القبول من فعل العبد. وليس المفهوم من القبول إلا الإذعان القلبي، والمصنف يوجه أنه من فعل الله، فالكافر حينئذ لم يبق عليه حجته، لأن توجه المؤاخذة عليه على اعتقاد المصنف بأن المعرفة والنبوة والإمامة ليست في قدرته كانت على عدم تلقي ما خلق الله له وعرفه به بالقبول والإذعان، فإذا كان القبول والإذعان أيضا ليس من فعل العبد فقد انتفت عنه المؤاخذة من كل وجه ولا يحسن عقابه على كفره، ولست أدري أمرا يخيل في العقل حسنه أوجب للمصنف الدخول والتوغل في هذه الخيالات والإصرار عليها والتعب المفرط في ترويحها وتحسينها وكلما زاد خطؤها [زاد] وضوحا وبيانا.