وبالجملة، إن الله تعالى يقعد أولا في أحد أذني قلب الإنسان ملكا وفي أحد أذنيه شيطانا، ثم يلقي في قلبه اليقين بالمعارف الضرورية، فإن عزم الإنسان على إظهار تلك المعارف والعمل بمقتضاها يزيد الله في توفيقه، وإن عزم على إخفائها
____________________
* إن الظاهر من خبر عالم الذر مشكل إن صح، لأ نه يقتضي أن الطاعة والعصيان بعد خلق عالم الأبدان ليسا من قدرة المكلفين، بل من سبقت منه الطاعة فهو مطيع ولا يجوز عليه العصيان ومن سبقت منه المعصية كذلك، فلم يبق للعبد اختيار في فعل ما يوجب الطاعة، وكذلك صاحب الطاعة انتفت عنه القدرة على المعصية. ومما يشبه ذلك الآثار الدالة على الأرزاق والآجال وأ نها مقسومة ومحتومة، مع ورود ما يخالف ذلك من العبادات والصدقات وصلة الأرحام التي توجب الزيادة فيهما، وكذلك الدعوات التي يطلب بها الهداية والتعوذ من إزاغة القلوب، كما هو نص القرآن (1) فقول المصنف: " فكل يعمل في عالم الأبدان على وفق ما عمل في عالم الأرواح " ظاهر الخطأ.
وأما ما نقله عن ابن بابويه ومضمون الحديث إن صح فالمراد منه: أن الذنب يوجب لصاحبه أثرا في القلب ينشأ عن الغفلة عن الطاعة ويدعو إليه اتباع الهوى ووسوسة الشيطان، فإن تذكر وتنبه من غفلته رجع وتاب كما قال سبحانه وتعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) وإن استوعبت الغفلة وتغلب الشيطان والهوى زادت الضلالة ولم تنفعه الموعظة. وأما قوله تعالى (وهديناه النجدين) فهو صريح واضح إن الله - سبحانه وتعالى - جعل قدرة عبده على السواء في الطاعة والمعصية، ولم يكن من فعله - سبحانه وتعالى - ما يجبر العبد به من طاعة ولا معصية، بل ربما يقتضي حكمته اللطف بعبده فيقرب له أسباب الطاعة بحيث لا يخرج فعله بسبب ذلك عن الاختيار، ولا يوجب عدم حصول اللطف لغيره امتناع الفعل منه بالاختيار. وغير ذلك لا يجوز اعتقاده، وما عداه ظاهر بطلانه وفساده.
وأما ما نقله عن ابن بابويه ومضمون الحديث إن صح فالمراد منه: أن الذنب يوجب لصاحبه أثرا في القلب ينشأ عن الغفلة عن الطاعة ويدعو إليه اتباع الهوى ووسوسة الشيطان، فإن تذكر وتنبه من غفلته رجع وتاب كما قال سبحانه وتعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) وإن استوعبت الغفلة وتغلب الشيطان والهوى زادت الضلالة ولم تنفعه الموعظة. وأما قوله تعالى (وهديناه النجدين) فهو صريح واضح إن الله - سبحانه وتعالى - جعل قدرة عبده على السواء في الطاعة والمعصية، ولم يكن من فعله - سبحانه وتعالى - ما يجبر العبد به من طاعة ولا معصية، بل ربما يقتضي حكمته اللطف بعبده فيقرب له أسباب الطاعة بحيث لا يخرج فعله بسبب ذلك عن الاختيار، ولا يوجب عدم حصول اللطف لغيره امتناع الفعل منه بالاختيار. وغير ذلك لا يجوز اعتقاده، وما عداه ظاهر بطلانه وفساده.