حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال حدثنا سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الإصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث النخعي القاضي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من عمل بما علم كفي ما لم يعلم (2).
ومقتضى هذه الأحاديث الشريفة أيضا أن لا يتعلق بنا تكليف ما لم يبلغنا الخطاب الدال عليه.
وجه الاندفاع: أن الخطاب العام الدال على وجوب ترك كل فعل وجودي لم نقطع بجوازه بلغنا، وهو الحديث المشتمل على حصر الأمور في اليقين وفي الشبهة، وعلى وجوب ترك ما ليس بيقيني جوازه، والأحاديث المشتملة على وجوب التوقف في كل واقعة لم نعلم حكمها بعينه *.
لا يقال: يلزم من الحديث الذي ذكره ابن بابويه بطلان الحسن والقبح الذاتيين، كما ذهب إليه جمهور الأشاعرة حيث قالوا: لو عكس الله تعالى وجعل الكفر واجبا وخلافه حراما لما كان قبيحا ولا محالا ذاتيا.
لأ نا نقول: هنا مسألتان: إحداهما: الحسن والقبح الذاتيان.
والأخرى: الوجوب والحرمة الذاتيان.
والذي يلزم من ذلك بطلان الثانية لا بطلان الأولى، وبين المسألتين بون بعيد.
ألا ترى أن كثيرا من القبائح العقلية ليس بحرام في الشريعة، ونقيضه ليس
____________________
* هذه الأحاديث واضحة صريحة في نفي ما يدعيه، أنطقه الله بها وعرفه مضمونها ليكون حجة عليه، لأ نه ربما لو لم يعلمها كان له حجة الجهل إن صح العذر عنه بها. وما ذكره في وجه الاندفاع مجرد دعاو على عادته بين فسادها وعدم ثبوتها. وما أشار إليه من الأحاديث إن صح وصحت فلابد من حملها على وجه لا تنافي هذه الأحاديث المعتبرة الصريحة في نفي ما يدعيه.