وما نحن فيه من قبيل الثاني، لأ نا نعلم اشتغال الذمة بأحد الفعلين الوجوديين ولا نعلمه بعينه، ونعلم أن حرمة الجمع بينهما مخصوصة بما إذا علمنا الفعل الواجب بعينه.
فإن قلت: كيف يكون نيتهما؟
قلت: قصد القربة المطلقة في العبادات كافية، ولو تنزلنا عن ذلك المقام فله قصد الوجوب المطلق في كل واحد منهما، ومرادي من المطلق ما يعم الواجب بالأصالة والواجب من باب المقدمة.
ولقائل أن يقول: قد علمنا جواز الغسل بل وجوبه من جهة وجوب مقدمة الواجب، ومن المعلوم: أن الأمر بالشيء لا يستلزم النهي عن أضداده الوجودية، ومن المعلوم إجزاء الغسل عن التيمم فإذا اغتسل سقط عنه التيمم [إذا خطر بباله تلك المقدمات] (1).
ويرد عليه: أنه عسى أن لا يجزي الغسل ويتعين التيمم في حكم الله تعالى، فلابد من الجمع بينهما لتحصيل اليقين ببراءة الذمة. وإذا تحير الفقيه في وجوب صلاة الجمعة عليه في زمن الغيبة وجوبا عينيا وفي وجوب صلاة الظهر بدلها، يجب عليه التوقف عن تعيين أحد الاحتمالين كما هو مقتضى الأحاديث، ومصداق هذا التوقف بحسب ظاهر النظر أيضا الجمع بين الفعلين الوجوديين - أعني صلاة
____________________
من عدم تيسر الاغتسال أو طول زمانه عن زمان التيمم، فإذا علم قصر زمانه أو مساواته وحكمنا بتعينه لأن الطهارة الترابية لا يؤمر بها إلا مع تعذر المائية لم يكن في ذلك مخالفة لمدلول الحديث ولا خروج عنه ولا ما يوجب التوقف، ولم يكن ذلك من الاجتهادات الخرصية المستحقة للوصف بالأوصاف الشنيعة، كما أقدم عليه المصنف على عادته من الجرأة على العلماء بالأوصاف القبيحة بغير الحق.