ما جاءك من العلم) الذي علمك الله إياه (مالك من الله) أي من جنابه (من ولى) يلي أمرك وينصرك (ولا واق) يقيك من عذابه، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعريض لأمته، واللام في ولئن اتبعت هي الموطئة للقسم، ومالك ساد مسد جواب القسم والشرط (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) أي إن الرسل الذين أرسلناهم قبلك هم من جنس البشر لهم أزواج من النساء ولهم ذرية توالدوا منهم ومن أزواجهم، ولم نرسل الرسل من الملائكة الذين لا يتزوجون ولا يكون لهم ذرية. وفى هذا رد على من كان ينكر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوجه بالنساء: أي أن هذا شأن رسل الله المرسلين قبل هذا الرسول فما بالكم تنكرون عليه ما كانوا عليه (وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله) أي لم يكن لرسول من الرسل أن يأتي بآية من الآيات، ومن جملتها ما اقترحه عليه الكفار إلا بإذن الله سبحانه. وفيه رد على الكفار حيث اقترحوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الآيات ما اقترحوا بما سبق ذكره (لكل أجل كتاب) أي لكل أمر مما قضاه الله، أو لكل وقت من الأوقات التي قضى الله بوقوع أمر فيها كتاب عند الله يكتبه على عباده ويحكم به فيهم. وقال الفراء: فيه تقديم وتأخير. والمعنى: لكل كتاب أجل: أي لكل أمر كتبه الله أجل مؤجل ووقت معلوم كقوله سبحانه - لكل نبأ مستقر - وليس الأمر على حسب إرادة الكفار واقتراحاتهم: بل على حسب ما يشاؤه ويختاره (يمحو الله ما يشاء ويثبت) أي يمحو من ذلك الكتاب ويثبت ما يشاء منه، يقال محوت الكتاب محوا إذا أذهبت أثره. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم " ويثبت " بالتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد، واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد.
وظاهر النظم القرآني العموم في كل شئ مما في الكتاب فيمحو ما يشاء محوه من شقاوة أو سعادة أو رزق أو عمر أو خير أو شر، ويبدل هذا بهذا، ويجعل هذا مكان هذا - لا يسأل عما يفعل وهم يسألون - وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبو وائل وقتادة والضحاك وابن جريج وغيرهم، وقيل الآية خاصة بالسعادة والشقاوة، وقيل يمحو ما يشاء من ديوان الحفظة، وهو ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ويثبت ما فيه الثواب والعقاب، وقيل يمحو ما يشاء من الرزق، وقيل يمحو من الأجل، وقيل يمحو ما يشاء من الشرائع فينسخه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، وقيل يمحو ما يشاء من ذنوب عباده ويترك ما يشاء، وقيل يمحو ما يشاء من الذنوب بالتوبة ويترك ما يشاء منها مع عدم التوبة، وقيل يمحو الآباء ويثبت الأبناء، وقيل يمحو القمر ويثبت الشمس كقوله - فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة - وقيل يمحو ما يشاء من الأرواح التي يقبضها حال النوم فيميت صاحبه ويثبت ما يشاء فيرده إلى صاحبه، وقيل يمحو ما يشاء من القرون ويثبت ما يشاء منها، وقيل يمحو الدنيا ويثبت الآخرة، وقيل غير ذلك مما لا حاجة إلى ذكره، والأول أولى كما تفيده ما في قوله: ما يشاء من العموم مع تقدم ذكر الكتاب في قوله (لكل أجل كتاب) ومع قوله (وعنده أم الكتاب) أي أصله، وهو اللوح المحفوظ، فالمراد من الآية أنه يمحو ما يشاء مما في اللوح المحفوظ فيكون كالعدم، ويثبت ما يشاء مما فيه فيجرى فيه قضاؤه وقدره على حسب ما تقتضيه مشيئته، وهذا لا ينافي ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله " جف القلم " وذلك لأن المحو والإثبات هو من جملة ما قضاه الله سبحانه، وقيل إن أم الكتاب هو علم الله تعالى بما خلق وما هو خالق وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله (يفرحون بما أنزل إليك) قال: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فرحوا بكتاب الله وبرسله وصدقوا به (ومن الأحزاب من ينكر بعضه) يعنى اليهود والنصارى والمجوس. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في الآية: قال هؤلاء من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الكتاب يفرحون بذلك، ومنهم من يؤمن به، ومنهم من