- وما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله - وقيل الجواب متقدم، وفى الكلام تقديم وتأخير: أي وهم يكفرون بالرحمن لو أن قرآنا إلى آخره، وكثيرا ما تحذف العرب جواب لو إذا دل عليه سياق الكلام، ومنه قول امرئ القيس فلو أنها نفس تموت جميعة * ولكنها نفس تساقط أنفسا أي لهان علي ذلك (بل لله الأمر جميعا) أي لو أن قرآنا فعل به ذلك لكان هذا القرآن، ولكن لم يفعل بل فعل ما عليه الشأن الآن، فلو شاء أن يؤمنوا لآمنوا وإذا لم يشأ أن يؤمنوا لم ينفع تسيير الجبال وسائر ما اقترحوه من الآيات، فالإضراب متوجه إلى ما يؤدى إليه كون الأمر لله سبحانه ويستلزمه من توقف الأمر على ما تقتضيه حكمته ومشيئته، ويدل على أن هذا هو المعنى المراد من ذلك قوله (أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا) * قال الفراء: قال الكلبي أفلم ييأس بمعنى أفلم يعلم، وهى لغة النخع. قال في الصحاح: وقيل هي لغة هوازن، وبهذا قال جماعة من السلف. قال أبو عبيدة: أفلم يعلموا ويتبينوا. قال الزجاج: وهو مجاز لأن اليائس من الشئ عالم بأنه لا يكون، نظيره استعمال الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في الترك لتضمنهما إياهما، ويؤيده قراءة على وابن عباس وجماعة: أفلم يتبين، ومن هذا قول رباح بن عدي:
ألم ييأس الأقوام أنى أنا ابنه * وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا أي ألم يعلم، وأنشد في هذا أبو عبيدة قول مالك بن عوف النضري:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني الرحمن * ألم تيأسوا أنى ابن فارس زهدم أي ألم تعلموا، فمعنى الآية على هذا: أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا من غير أن يشاهدوا الآيات، وقيل إن الإياس على معناه الحقيقي: أي أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار، لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم، لأن المؤمنين تمنوا نزول الآيات التي اقترحها الكفار طمعا في إيمانهم (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) هذا وعيد للكفار على العموم أو لكفار مكة على الخصوص: أي لا يزال الذين كفروا تصيبهم بسبب ما صنعوا من الكفر والتكذيب للرسل قارعة: أي داهية تفجؤهم، يقال قرعه الأمر إذا أصابه، والجمع قوارع، والأصل في القرع الضرب. قال الشاعر:
أفنى تلادى وما جمعت من نشب * قرع القراقير أفواه الأباريق والمعنى: أن الكفار لا يزالون كذلك حتى تصيبهم داهية مهلكة من قتل أو أسر أو جدب أو نحو ذلك من العذاب، وقد قيل إن القارعة: النكبة، وقيل الطلائع والسرايا، ولا يخفى أن القارعة تطلق على ما هو أعم من ذلك (أو تحل) أي القارعة (قريبا من دارهم) فيفزعون منها ويشاهدون من آثارها ما ترجف له قلوبهم وترعد منه بوادرهم، وقيل إن الضمير في (تحل) للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. والمعنى: أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم محاصرا لهم آخذا بمخانقهم كما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم لأهل الطائف (حتى يأتي وعد الله) وهو موتهم، أو قيام الساعة عليهم، فإنه إذا جاء وعد الله المحتوم حل بهم من عذابه ما هو الغاية في الشدة، وقيل المراد بوعد الله هنا الإذن منه بقتال الكفار. والأول أولى (إن الله لا يخلف الميعاد) فما جرى به وعده فهو كائن لا محالة (ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا) التنكير في رسل للتكثير: أي برسل كثيرة، والإملاء:
الإمهال، وقد مر تحقيقه في الأعراف (ثم أخذتهم) بالعذاب الذي أنزلته بهم (فكيف كان عقاب) الاستفهام للتقريع والتهديد: أي فكيف كان عقابي لهؤلاء الكفار الذين استهزءوا بالرسل، فأمليت لهم ثم أخذتهم. ثم استفهم