سورة إبراهيم الآية (5) قوله (الر) قد تقدم الكلام في أمثال هذا، وبيان قول من قال إنه متشابه، وبيان قول من قال إنه غير متشابه وهو إما مبتدأ خبره كتاب، أو خبر مبتدأ محذوف، ويكون (كتاب) خبر المحذوف مقدر أو خبرا ثانيا لهذا المبتدأ أو يكون (الر) مسرودا على نمط التعديد فلا محل له. و (أنزلناه إليك) صفة لكتاب: أي أنزلنا الكتاب إليك يا محمد، ومعنى (لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) لتخرجهم من ظلمات الكفر والجهل والضلالة إلى نور الإيمان والعلم والهداية، جعل الكفر بمنزلة الظلمات، والإيمان بمنزلة النور على طريق الاستعارة. واللام في لتخرج للغرض والغاية، والتعريف في الناس للجنس، والمعنى: أنه صلى الله عليه وآله وسلم يخرج بالكتاب المشتمل على ما شرعه الله لهم من الشرائع مما كانوا فيه من الظلمات إلى ما صاروا إليه من النور، وقيل إن الظلمة مستعارة للبدعة، والنور مستعار للسنة، وقيل من الشك إلى اليقين، ولا مانع من إرادة جميع هذه الأمور، والباء في (بإذن ربهم) متعلقة بتخرج، وأسند الفعل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه الداعي والهادي والمنذر قال الزجاج: بما أذن لك من تعليمهم ودعائهم إلى الإيمان (إلى صراط العزيز الحميد) هو بدل من إلى النور بتكرير العامل كما يقع مثله كثيرا: أي لتخرج الناس من الظلمات إلى صراط العزيز الحميد، وهو طريقة الله الواضحة التي شرعها لعباده، وأمرهم بالمصير إليها والدخول فيها، ويجوز أن يكون مستأنفا بتقدير سؤال كأنه قيل ما هذا النور الذي أخرجه إليه؟ فقيل صراط العزيز الحميد. والعزيز هو القادر الغالب، والحميد هو الكامل في استحقاق الحمد (الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) قرأ نافع وابن عامر بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هو الله المتصف بملك ما في السماوات وما في الأرض. وقرأ الجمهور بالجر على أنه عطف بيان لكونه من الأعلام الغالبة، فلا يصح وصف ما قبله به، لأن العلم لا يوصف به، وقيل يجوز أن يوصف به من حيث المعنى. وقال أبو عمرو: إن قراءة الجر محمولة على التقديم والتأخير، والتقدير: إلى صراط الله العزيز الحميد. وكان يعقوب إذا وقف على الحميد رفع، وإذا وصل خفض. قال ابن الأنباري: من خفض وقف على وما في الأرض. ثم توعد من لا يعترف بربوبيته فقال (وويل للكافرين من عذاب شديد) قد تقدم بيان معنى الويل، وأصله النصب كسائر المصادر، ثم رفع للدلالة على الثبات. قال الزجاج: هي كلمة تقال للعذاب والهلكة، فدعا سبحانه وتعالى بذلك على من لم يخرج من الكفار بهداية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بما أنزله الله عليه مما هو فيه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان و (من عذاب شديد) متعلق بويل على معنى يولولون ويضجون من العذاب الشديد الذي صاروا فيه. ثم وصف هؤلاء الكفار بقوله (الذين يستحبون الحياة الدنيا) أي يؤثرونها لمحبتهم لها (على الآخرة) الدائمة والنعيم الأبدي، وقيل إن الموصول في موضع رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي هم الذين، وقيل الموصول مبتدأ وخبره أولئك، وجملة (ويصدون) وكذلك ويبغون معطوفتان على يستحبون، ومعنى الصد (عن سبيل الله) صرف الناس عنه ومنعهم منه، وسبيل الله دينه الذي شرعه لعباده (ويبغونها عوجا) أي يطلبون لها زيغا وميلا لموافقة أهوائهم وقضاء حاجاتهم وأغراضهم، والعوج بكسر العين في المعاني وبفتح العين في الأعيان وقد سبق تحقيقه. والأصل يبغون لها فحذف الحرف وأوصل الفعل إلى الضمير، واجتماع هذه الخصال نهاية
(٩٣)