وقيل اللطيف العالم بدقائق الأمور، ومعنى لما يشاء: لأجل ما يشاء حتى يجئ على وجه الصواب (إنه هو العليم الحكيم) أي العليم بالأمور الحكيم في أفعاله، ولما أتم الله نعمته على يوسف عليه السلام بما خلصه منه من المحن العظيمة وبما خوله من الملك وعلمه من العلم، تاقت نفسه إلى الخير الأخروي الدائم الذي لا ينقطع، فقال (رب قد آتيتني من الملك) من للتبعيض: أي بعض الملك، لأنه لم يؤت كل الملك، وإنما أوتي ملكا خاصا، وهو ملك مصر في زمن خاص (وعلمتني من تأويل الأحاديث) أي بعضها، لأنه لم يؤت جميع علم التأويل سواء أريد به مطلق العلم والفهم، أو مجرد تأويل الرؤيا، وقيل من للجنس كما في قوله - فاجتنبوا الرجس من الأوثان - وقيل زائدة:
أي آتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث (فاطر السماوات والأرض) منتصب على أنه صفة لرب، لكونه منادى مضافا. ويجوز أن يكون انتصابه على أنه منادى بحرف مقدر: أي يا فاطر، والفاطر الخالق المنشي والمخترع والمبدع (أنت وليي) أي ناصري ومتولي أموري (في الدنيا والآخرة) تتوالاني فيهما (توفني مسلما وألحقني بالصالحين) أي توفني على الإسلام لا يفارقني حتى أموت، وألحق بالصالحين من النبيين من آبائي وغيرهم فأظفر بثوابهم منك ودرجاتهم عندك. قيل إنه لما دعا بهذا الدعاء توفاه الله عز وجل. قيل كان عمره عند أن ألقى في الجب سبع عشرة سنة، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة إلى قدوم أبيه يعقوب عليه، ثم عاش بعد اجتماع شملهم حتى كمل عمره المقدار الذي سيأتي وتوفاه الله. قيل لم يتمن الموت أحد غير يوسف لا نبي ولا غيره. وذهب الجمهور إلى أنه لم يتمن الموت بهذا الدعاء. وإنما دعا ربه أن يتوفاه على الإسلام ويلحقه بالصالحين من عباده عند حضور أجله.
وقد أخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال: دخل يعقوب مصر في ملك يوسف وهو ابن مائة وثلاثين سنة، وعاش في ملكه ثلاثين سنة، ومات يوسف وهو ابن مائة وعشرين سنة. قال أبو هريرة: وبلغني أنه كان عمر إبراهيم خليل الله مائة وخمسة وتسعين سنة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله (آوى إليه أبويه) قال: أبوه وأمه ضمهما. وأخرجا عن وهب قال أبوه وخالته. وكانت توفيت أم يوسف في نفاس أخيه بنيامين وأخرج أبو الشيخ نحوه عن سفيان بن عيينة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ورفع أبويه على العرش) قال: السرير. وأخرج ابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم في قوله (وخروا له سجدا) قال:
كانت تحية من كان قبلكم فأعطاكم الله السلام مكانها. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد قال: ذلك سجود تشرفة كما سجدت الملائكة تشرفة لآدم. وليس سجود عبادة. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله (إن ربى لطيف لما يشاء) قال: لطيف ليوسف وصنع له حين أخرجه من السجن. وجاء بأهله من البدو. ونزع من قلبه نزغ الشيطان وتحريشه على إخوته. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ما سأل نبي الوفاة غير يوسف. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عنه قال: اشتاق إلى لقاء الله وأحب أن يلحق به وبآبائه، فدعا الله أن يتوفاه، وأن يلحقه بهم. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله (وألحقني بالصالحين) قال: يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: يعني أهل الجنة.
سورة يوسف الآية (102 - 103) 8 - فتح القدير - 3