من جبالها وقفارها وبحارها ونباتها وحيواناتها تدلهم على توحيد الله سبحانه، وأنه الخالق لذلك، الرزاق له المحيى والمميت، ولكن أكثر الناس يمرون على هذه الآيات غير متأملين لها، ولا مفكرين فيها، ولا ملتفتين إلى ما تدل عليه من وجود خالقها، وأنه المتفرد بالألوهية مع كونهم مشاهدين لها (يمرون عليها وهم عنها معرضون) وإن نظروا إليها بأعيانهم فقد أعرضوا عما هو الثمرة للنظر بالحدقة، وهى التفكر والاعتبار والاستدلال. وقرأ عكرمة وعمرو بن فايد برفع الأرض على أنه مبتدأ. وخبره يمرون عليها. وقرأ السدي بنصب الأرض بتقدير فعل. وقرأ ابن مسعود " يمشون عليها " (وما يؤمن أكثرهم بالله) أي وما يصدق ويقر أكثر الناس بالله من كونه الخالق الرزاق المحيى المميت (إلا وهم مشركون) بالله يعبدون معه غيره كما كانت تفعله الجاهلية، فإنهم مقرون بالله سبحانه وبأنه الخالق لهم - ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله، ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله - لكنهم كانوا يثبتون له شركاء فيعبدونهم ليقربوهم إلى الله - إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله - ومثل هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله المعتقدون في الأموات بأنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه كما يفعله كثير من عباد القبور، ولا ينافي هذا ما قيل من أن الآية نزلت في قوم مخصوصين فالاعتبار بما يدل عليه اللفظ لا بما يفيده السبب من الاختصاص بمن كان سببا لنزول الحكم (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله) الاستفهام للإنكار. والغاشية ما يغشاهم ويغمرهم من العذاب كقوله تعالى - يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم - وقيل هي الساعة. وقيل الصواعق والقوارع، ولا مانع من الحمل على العموم (أو تأتيهم الساعة بغتة) أي فجأة، وانتصاب بغتة على الحال. قال المبرد: جاء عن العرب حال بعد نكرة، وهو قولهم وقع أمر بغتة. يقال بغتهم الأمر بغتا وبغتة: إذا فاجأهم (وهم لا يشعرون) بإتيانه، ويجوز انتصاب بغتة على أنها صفة مصدر محذوف (قل هذه سبيلي) أي قل يا محمد للمشركين هذه الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها سبيلي: أي طريقتي وسنتي. فاسم الإشارة مبتدأ وخبره سبيلي، وفسر ذلك بقوله (أدعو إلى الله على بصيرة) أي على حجة واضحة. والبصيرة المعرفة التي يتميز بها الحق من الباطل والجملة في محل نصب على الحال (أنا ومن اتبعني) أي ويدعو إليها من اتبعني واهتدى بهديي. قال الفراء: والمعنى ومن اتبعني يدعو إلى الله كما أدعو. وفى هذا دليل على أن كل متبع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حق عليه أن يقتدى به في الدعاء إلى الله: أي الدعاء إلى الإيمان به وتوحيده والعمل بما شرعه لعباده (وسبحان الله وما أنا من المشركين) أي وقل يا محمد لهم سبحان الله وما أنا من المشركين بالله الذين يتخذون من دونه أندادا. قال ابن الأنباري: ويجوز أن يتم الكلام عند قوله (ادعوا إلى الله) ثم ابتدأ. فقال (على بصيرة أنا ومن اتبعني).
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) قال: هم بنو يعقوب إذ يمكرون بيوسف. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في الآية يقول: وما كنت لديهم وهم يلقونه في غيابة الجب وهم يمكرون بيوسف. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك (وكأين من آية) قال: كم من آية في السماء يعنى شمسها وقمرها ونجومها وسحابها، وفى الأرض ما فيها من الخلق والأنهار والجبال والمدائن والقصور. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) قال: سلهم من خلقهم ومن خلق السماوات والأرض فسيقولون الله، فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء في قوله (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) قال: كانوا يعلمون أن الله ربهم وهو خالقهم وهو رازقهم، وكانوا