سورة يوسف الآية (104 - 108).
الخطاب بقوله (ذلك) لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مبتدأ خبره (من أنباء الغيب)، و (نوحيه إليك) خبر ثان. قال الزجاج: ويجوز أن يكون ذلك بمعنى الذي ونوحيه إليك خبره: أي الذي من أنباء الغيب نوحيه إليك: والمعنى: الإخبار من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن هذا الذي قصه عليه من أمر يوسف وإخوته من الأخبار التي كانت غائبة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأوحاه الله إليه وأعلمه به ولم يكن عنده قبل الوحي شئ من ذلك، وفيه تعريض بكفار قريش، لأنهم كانوا مكذبين له صلى الله عليه وآله وسلم بما جاء به جحودا وعنادا وحسدا مع كونهم يعلمون حقيقة الحال (وما كنت لديهم) أي لدى إخوة يوسف (إذ أجمعوا أمرهم) إجماع الأمر: العزم عليه: أي وما كانت لدى إخوة يوسف إذ عزموا جميعا على إلقائه في الجب (وهم) في تلك الحالة (يمكرون) به: أي بيوسف في هذا الفعل الذي فعلوه به ويبغونه الغوائل - وقيل الضمير ليعقوب: أي يمكرون بيعقوب حين جاءوه بقميص يوسف ملطخا بالدم وقالوا أكله الذئب. وإذا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لديهم عند أن فعلوا ذلك، انتفى علمه بذلك مشاهدة، ولم يكن بين قوم لهم علم بأحوال الأمم السالفة ولا خالطهم ولا خالطوه، فانتفى علمه بذلك بطريق الرواية عن الغير، فلم يبق لعلمه بذلك طريق إلا مجرد الوحي من الله سبحانه، فهذا يستلزم الإيمان بما جاء به، فلما لم يؤمن بذلك من عاصره من الكفار، قال الله سبحانه ذاكرا لهذا (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) أي وما أكثر الناس المعاصرين لك يا محمد، أو ما أكثر الناس على العموم ولو حرصت على هدايتهم وبالغت في ذلك بمؤمنين بالله لتصميمهم على الكفر الذي هو دين آبائهم، يقال حرص يحرص مثل ضرب يضرب. وفى لغة ضعيفة حرص يحرص مثل حمد يحمد. والحرص طلب الشئ باجتهاد. قال الزجاج: ومعناه وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت على أن تهديهم، لأنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء. قال ابن الأنباري: إن قريشا واليهود سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قصة يوسف وإخوته فشرحهما ابن شرحا شافيا وهو يؤمل أن يكون ذلك سببا لإسلامهم، فخالفوا ظنه، وحزن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك فعزاه الله بقوله (وما أكثر الناس) الآية (وما تسألهم عليه من أجر) أي على القرآن وما تتلوه عليهم منه، أو على الإيمان وحرصك على وقوعه منهم أو على ما تحدثهم به من هذا الحديث من أجر من مال يعطونك إياه ويجعلونه لك كما يفعله أحبارهم (إن هو) أي القرآن أو الحديث الذي حدثتهم به (إلا ذكر للعالمين) أي ما هو إلا ذكر للعالمين كافة لا يختص بهم وحدهم (وكأين من آية في السماوات والأرض) قال الخليل وسيبويه: والأكثرون أن كأين أصلها أي دخل عليها كاف التشبيه، لكنه انمحى عن الحرفين المعنى الإفرادى، وصار المجموع كاسم واحد بمعنى كم الخبرية، والأكثر إدخال من في مميزه، وهو تمييز عن الكاف لا عن أي كما في مثلك رجلا وقد مر الكلام على هذا المستوفى في آل عمران. والمعنى: كم من آية تدلهم على توحيد الله كائنة في السماوات من كونها منصوبة بغير عمد، مزينة بالكواكب النيرة السيارة والثوابت، وفى الأرض