مع ذلك يشركون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في الآية قال: كانوا يشركون به في تلبيتهم يقولون لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في الآية قال:
ذلك المنافق يعمل بالرياء وهو مشرك بعمله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (غاشية من عذاب الله) قال: وقيعة تغشاهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (هذه سبيلي) قل هذه دعوتي. وأخرج أبو الشيخ عنه (قل هذه سبيلي) قال: صلاتي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال: أمري ومشيئتي ومنهاجي، وأخرجا عن قتادة في قوله (على بصيرة) أي على هدى (أنا ومن اتبعني):
سورة يوسف الآية (109 - 111).
قوله (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا) هذا رد على من قال - لولا أنزل عليه ملك -: أي لم نبعث من الأنبياء إلى من قبلهم إلا رجالا لا ملائكة، فكيف ينكرون إرسالنا إياك. وتدل الآية على أن الله سبحانه لم يبعث نبيا من النساء ولا من الجن، وهذا يرد على من قال: إن في النساء أربع نبيات: حواء، وآسية، وأم موسى، ومريم.
وقد كان بعثة الأنبياء من الرجال دون النساء أمرا معروفا عند العرب، حتى قال قيس بن عاصم في سجاح المتنبئة:
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها * وأصبحت أنبياء الله ذكرانا فلعنة الله والأقوام كلهم * على سجاح ومن باللوم أغرانا (نوحي إليهم) كما نوحي إليك (من أهل القرى) أي المدائن دون أهل البادية لغلبة الجفاء والقسوة على البدو ولكون أهل الأمصار أتم عقلا وأكمل حلما وأجل فضلا (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) يعنى المشركين المنكرين لنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم: أي أفلم يسر المشركون هؤلاء فينظروا إلى مصارع الأمم الماضية فيعتبروا بهم حتى ينزعوا عما هم فيه من التكذيب (ولدار الآخرة خير للذين اتقوا) أي لدار الساعة الآخرة، أو الحالة الآخرة على حذف الموصوف. وقال الفراء: إن الدار هي الآخرة، وأضيف الشئ إلى نفسه لاختلاف اللفظ كيوم الجمعة وصلاة الأولى ومسجدا لجامع، والكلام في ذلك مبين في كتب الإعراب، والمراد بهذه الدار: الجنة: أي هي خير للمتقين من دار الدنيا. وقرئ وللدار الآخرة " وقرأ نافع وعاصم ويعقوب (أفلا تعقلون) بالتاء الفوقية على الخطاب. وقرأ الباقون بالتحتية (حتى إذا استيأس الرسل) هذه الغاية لمحذوف دل عليه الكلام، وتقديره: وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالا ولم نعاجل له أممهم الذين لم