إليك: عجلت إلى الموضع الذي أمرتني بالمصير إليه لترضى عني، يقال رجل عجل وعجول وعجلان: بين العجلة، والعجلة خلاف البطء، وجملة (قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك) مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل فماذا قال الله له؟ فقيل قال إنا قد فتنا قومك من بعدك: أي ابتليناهم واختبرناهم وألقيناهم فلا في فتنة ومحنة. قال ابن الأنباري: صيرناهم مفتونين أشقياء بعبادة العجل من بعد انطلاقك من بينهم، وهم الذين خلفهم مع هارون (وأضلهم السامري) أي دعاهم إلى الضلالة، وكان من قوم يعبدون البقر، فدخل في دين بني إسرائيل في الظاهر وفى قلبه ما فيه من عبادة البقر، وكان من قبيلة تعرف بالسامرة، وقال لمن معه من بني إسرائيل: إنما تخلف موسى عن الميعاد الذي بينكم وبينه لما صار معكم من الحلي، وهى حرام عليكم وأمرهم بإلقائها في النار، فكان من أمر العجل ما كان (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) قيل وكان الرجوع إلى قومه بعد ما استوفى أربعين يوما:
ذا القعدة، وعشر ذي الحجة، والأسف الشديد الغضب، وقيل الحزين، وقد مضى في الأعراف بيان هذا مستوفى (قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا) الاستفهام للإنكار التوبيخي، والوعد الحسن وعدهم بالجنة إذا أقاموا على طاعته، ووعدهم أن يسمعهم كلامه في التوراة على لسان موسى ليعملوا بما فيها، فيستحقوا ثواب عملهم، وقيل وعدهم النصر والظفر، وقيل هو قوله " وإني لغفار لمن تاب " الآية (أفطال عليكم العهد) الفاء للعطف على مقدر: أي أو عدكم ذلك، فطال عليكم الزمان فنسيتم (أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم) أي يلزمكم وينزل بكم، والغضب: العقوبة والنقمة، والمعنى: أم أردتم أن تفعلوا فعلا يكون سبب حلول غضب الله عليكم (فأخلفتم موعدي) أي موعدكم إياي، فالمصدر مضاف إلى المفعول، لأنهم وعدوه أن يقيموا على طاعة الله عز وجل إلى أن يرجع إليهم من الطور، وقيل وعدوه أن يأتوا على أثره إلى الميقات، فتوقفوا فأجابوه، و (قالوا ما أخلفنا موعدك) الذي وعدناك (بملكنا) بفتح الميم، وهى قراءة نافع وأبي جعفر وعاصم وعيسى بن عمر، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بكسر الميم، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لأنها على اللغة العالية الفصيحة، وهو مصدر ملكت الشئ أملكه ملكا، والمصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف: أي بملكنا أمورنا، أو بملكنا الصواب، بل أخطأنا ولم نملك أنفسنا وكنا مضطرين إلى الخطأ، وقرأ حمزة والكسائي " بملكنا " بضم الميم، والمعنى بسلطاننا: أي لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك، وقيل إن الفتح والكسر والضم في بملكنا كلها لغات في مصدر ملكت الشئ (ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم) قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص وأبو جعفر ورويس " حملنا " بضم الحاء وتشديد الميم، وقرأ الباقون بفتح الحاء والميم مخففة، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لأنهم حملوا حلية القوم معهم باختيارهم، وما حملوها كرها، فإنهم كانوا استعاروها منهم حين أرادوا الخروج مع موسى، وأوهموهم أنهم يجتمعون في عيد لهم أو وليمة، وقيل هو ما أخذوه من آل فرعون لما قذفهم البحر إلى الساحل، وسميت أوزارا: أي آثاما، لأنه لا يحل لهم أخذها، ولا تحل لهم الغنائم في شريعتهم والأوزار في الأصل الأثقال كما صرح به أهل اللغة، والمراد بالزينة هنا الحلي (فقذفناها) أي طرحناها في النار طلبا للخلاص من إثمها، وقيل المعنى: طرحناها إلى السامري لتبقى لديه حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه (فكذلك ألقى السامري) أي فمثل ذلك القذف ألقاها السامري، قيل إن السامري قال لهم حين استبطأ القوم رجوع موسى: إنما احتبس عنكم لأجل ما عندكم من الحلي، فجمعوه ودفعوه إليه، فرمى به في النار وصاغ لهم منه عجلا، ثم ألقى عليه قبضة من أثر الرسول وهو جبريل، فصار (عجلا جسدا له خوار) أي يخور كما يخور الحي من العجول، والخوار صوت البقر، وقيل خواره كان بالريح، لأنه كان عمل فيه خروقا، فإذا دخلت