وهذه الآية من جملة ما حكاه الله سبحانه من قول السحرة، وقيل هو ابتداء كلام، والضمير في إنه على هذا الوجه للشأن (ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات) أي ومن يأت ربه مصدقا به قد عمل الصالحات: أي الطاعات، والموصوف محذوف، والتقدير الأعمال الصالحات، وجملة قد عمل في محل نصب على الحال وهكذا مؤمنا منتصب على الحال، والإشارة ب (أولئك) إلى من باعتبار معناه (لهم الدرجات العلى) أي المنازل الرفيعة التي قصرت دونها الصفات (جنات عدن) بيان للدرجات أو بدل منها، والعدن الإقامة وقد تقدم بيانه، وجملة (تجرى من تحتها الأنهار) حال من الجنات، لأنها مضافة إلى عدن، وعدن علم للإقامة كما سبق، وانتصاب (خالدين فيها) على الحال من ضمير الجماعة في لهم: أي ماكثين دائمين، (و) الإشارة (بذلك) إلى ما تقدم لهم من الأجر، وهو مبتدأ، و (جزاء من تزكى) خبره: أي جزاء من تطهر من الكفر والمعاصي الموجبة للنار.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وما أكرهتنا عليه من السحر) قال: أخذ فرعون أربعين غلاما من بني إسرائيل، فأمر أن يعلموا السحر بالفرما، قال: علموهم تعليما لا يغلبهم أحد في الأرض. قال ابن عباس: فهم من الذين آمنوا بموسى، وهم الذين قالوا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي في قوله (والله خير وأبقى) قال: خير منك إن أطيع وأبقى منك عذابا إن عصى. وأخرج أحمد ومسلم وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب فأتى على هذه الآية (إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما أهلها الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، وأما الذين ليسوا بأهلها فإن النار تميتهم إماتة، ثم يقوم الشفعاء فيشفعون، فيؤتى بهم ضبائر على نهر يقال له الحياة أو الحيوان، فينبتون كما ينبت الغثاء في حميل السيل. وأخرج أبو داود وابن مردويه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما " وفى الصحيحين بلفظ " إن أهل عليين ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء ".
سورة طه الآية (77 - 85)