ابن عبد الله بن أبي نمر، والصحيح أنه في السماء الرابعة كما رواه مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل إن المراد برفعه مكانا عليا: ما أعطيه من شرف النبوة، وقيل إنه رفع إلى الجنة (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين) الإشارة إلى المذكورين من أول السورة إلى هنا، والموصول صفته، ومن النبيين بيان للموصول، و (من ذرية آدم) بدل منه بإعادة الخافض، وقيل إن من في من ذرية آدم للتبعيض (وممن حملنا مع نوح) أي من ذرية من حملنا معه وهم من عدا إدريس، فإن إبراهيم كان من ذرية سام بن نوح (ومن ذرية إبراهيم) وهم الباقون (وإسرائيل) أي ومن ذرية إسرائيل، ومنهم موسى وهارون ويحيى وعيسى، وقيل إنه أراد بقوله (من ذرية آدم) إدريس وحده، وأراد بقوله (وممن حملنا مع نوح) إبراهيم وحده، وأراد بقوله (ومن ذرية إبراهيم) إسماعيل وإسحاق ويعقوب، وأراد بقوله (ومن ذرية إسرائيل) موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى (وممن هدينا) أي من جملة من هدينا إلى الإسلام (واجتبينا) بالإيمان (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) وهذا خبر لأولئك، ويجوز أن يكون الخبر هو الذين أنعم الله عليهم. وهذا استئناف لبيان خشوعهم لله وخشيتهم منه. وقد تقدم في سبحان بيان معنى خروا سجدا: يقال بكى يبكي بكاء وبكيا. قال الخليل: إذا قصرت البكاء فهو مثل الحزن: أي ليس معه صوت، ومنه قول الشاعر:
بكت عيني وحق لها بكاها * وما يغني البكاء ولا العويل وسجدا منصوب على الحال. قال الزجاج: قد بين الله أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا آيات الله بكوا وسجدوا، وقد استدل بهذه الآية على مشروعية سجود التلاوة، ولما مدح هؤلاء الأنبياء بهذه الأوصاف ترغيبا لغيرهم في الاقتداء بهم وسلوك طريقتهم ذكر أضدادهم تنفيرا للناس عن طريقتهم فقال (فخلف من بعدهم خلف) أي عقب سوء.
قال أهل اللغة: يقال لعقب الخير خلف بفتح اللام، ولعقب الشر خلف بسكون اللام، وقد قدمنا الكلام على هذا في آخر الأعراف (أضاعوا الصلاة) قال الأكثر: معنى ذلك أنهم أخروها عن وقتها، وقيل أضاعوا الوقت وقيل كفروا بها وجحدوا وجوبها، وقيل لم يأتوا بها على الوجه المشروع. والظاهر أن من أخر الصلاة عن وقتها أو ترك فرضا من فروضها أو شرطا من شروطها أو ركنا من أركانها فقد أضاعها، ويدخل تحت الإضاعة من تركها بالمرة أو جحدها دخولا أوليا.
واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية؟ فقيل في اليهود، وقيل في النصارى، وقيل في قوم من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يأتون في آخر الزمان، ومعنى (واتبعوا الشهوات) أي فعلوا ما تشتهيه أنفسهم وترغب إليه من المحرمات كشرب الخمر والزنا (فسوف يلقون غيا) الغي هو الشر عند أهل اللغة كما أن الخير هو الرشاد. والمعنى:
أنهم سيلقون شرا لا خيرا، وقيل الغي الضلال، وقيل الخيبة، وقيل هو اسم واد في جهنم، وقيل في الكلام حذف، والتقدير: سيلقون جزاء الغي كذا قال الزجاج، ومثله قوله سبحانه - يلق أثاما - أي جزاء أثام (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا) أي تاب مما فرط منه من تضييع الصلوات واتباع الشهوات فرجع إلى طاعة الله وآمن به وعمل عملا صالحا، وفى هذا الاستثناء دليل على أن الآية في الكفرة لا في المسلمين (فأولئك يدخلون الجنة) قرأ أبو جعفر وشيبة وابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب وأبو بكر " يدخلون " بضم الياء وفتح الخاء، وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الخاء (ولا يظلمون شيئا) أي لا ينقص من أجورهم شئ وإن كان قليلا، فإن الله سبحانه يوفي إليهم أجورهم، وانتصاب (جنات عدن) على البدل من الجنة، بدل البعض لكون جنات عدن بعض من الجنة: قال الزجاج: ويجوز جنات عدن بالرفع على الابتداء، وقرئ كذلك. قال أبو حاتم: ولولا الخط لكان