جنة عدن: يعني بالإفراد مكان الجمع وليس هذا بشئ، فإن الجنة اسم لمجموع الجنات التي هي بمنزلة الأنواع للجنس. وقرئ بنصب الجنات على المدح، وقد قرئ جنة بالإفراد (التي وعد الرحمن عباده بالغيب) هذه الجملة صفة لجنات عدن، وبالغيب في محل نصب على الحال من الجنات، أو من عباده: أي متلبسة، أو متلبسين بالغيب، وقرئ بصرف عدن، ومنعها على أنها علم لمعنى العدن وهو الإقامة، أو علم لأرض الجنة (إنه كان وعده مأتيا) أي موعوده على العموم، فتدخل فيه الجنات دخولا أوليا. قال الفراء: لم يقل آتيا، لأن كل ما أتاك فقد أتيته، وكذا قال الزجاج (لا يسمعون فيها لغوا) هو الهذر من الكلام الذي يلغى ولا طائل تحته، وهو كناية عن عدم صدور اللغو منهم، وقيل اللغو كل ما لم يكن فيه ذكر الله (إلا سلاما) هو استثناء منقطع: أي سلام بعضهم على بعض، أو سلام الملائكة عليهم. وقال الزجاج: السلام اسم جامع للخير، لأنه يتضمن السلامة، والمعنى: أن أهل الجنة لا يسمعون ما يؤلمهم وإنما يسمعون ما يسلمهم (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) قال المفسرون ليس في الجنة بكرة ولا عشية، ولكنهم يؤتون رزقهم على مقدار ما يعرفون من الغداء والعشاء (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) أي هذه الجنة التي وصفنا أحوالها نورثها من كان من أهل التقوى كما يبقى على الوارث مال موروثه. قرأ يعقوب " نورث " بفتح الواو وتشديد الراء، وقرأ الباقون بالتخفيف، وقيل في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: نورث من كان تقيا من عبادنا.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (وكان رسولا نبيا) قال: النبي الذي يكلم وينزل عليه ولا يرسل، ولفظ ابن أبي حاتم " الأنبياء الذين ليسوا برسل يوحى إلى أحدهم ولا يرسل إلى أحد. والرسل: الأنبياء الذين يوحى إليهم ويرسلون. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (جانب الطور الأيمن) قال: جانب الجبل الأيمن (وقربناه نجيا) قال: نجا بصدقه. وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية قال: قربه حتى سمع صريف القلم، وروى نحو هذا عن جماعة من التابعين. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في الآية قال:
حتى سمع صريف القلم يكتب في اللوح. وأخرجه الديلمي عنه مرفوعا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون) قال: كان هارون أكبر من موسى، ولكن إنما وهب له نبوته. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ورفعناه مكانا عليا) قال: كان إدريس خياطا، وكان لا يغرز غرزة إلا قال سبحان الله، وكان يمسي حين يمسي وليس على الأرض أفضل عملا منه، فاستأذن ملك من الملائكة ربه فقال: يا رب ائذن لي فأهبط إلى إدريس، فأذن له فأتى إدريس فقال: إني جئتك لأخدمك، قال:
كيف تخدمني وأنت ملك وأنا إنسان؟ ثم قال إدريس: هل بينك وبين ملك الموت شئ؟ قال الملك: ذاك أخي من الملائكة، قال: هل تستطيع أن تنفعني؟ قال: أما يؤخر شيئا أو يقدمه فلا، ولكن سأكلمه لك فيرفق بك عند الموت، فقال: اركب بين جناحي، فركب إدريس فصعد إلى السماء العليا فلقي ملك الموت وإدريس بين جناحيه، فقال له الملك: إن لي إليك حاجة، قال: علمت حاجتك تكلمني في إدريس، وقد محى اسمه من الصحيفة فلم يبق من أجله إلا نصف طرفة عين، فمات إدريس بين جناحي الملك. وأخرج ابن أبي شيبة في المصاحف وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: سألت كعبا فذكر نحوه، فهذا هو من الإسرائيليات التي يرويها كعب.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال " رفع إدريس إلى السماء السادسة ". وأخرج الترمذي وصححه وابن المنذر وابن مردويه قال: حدثنا أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لما عرج بي رأيت