سورة الكهف الآية (55 - 59) لما ذكر سبحانه افتخار الكفرة على فقراء المسلمين بأموالهم وعشائرهم وأجابهم عن ذلك وضرب لهم الأمثال الواضحة، حكى بعض أهوال الآخرة فقال (ولقد صرفنا) أي كررنا ورددنا (في هذا القرآن للناس) أي لأجلهم ولرعاية مصلحتهم ومنفعتهم (من كل مثل) من الأمثال التي من جملتها الأمثال المذكورة في هذه السورة، وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة بني إسرائيل، وحين لم يترك الكفار ما هم فيه من الجدال بالباطل، ختم الآية بقوله (وكان الإنسان أكثر شئ جدلا) قال الزجاج: المراد بالإنسان الكافر، واستدل على أن المراد الكافر بقوله تعالى (ويجادل الذين كفروا بالباطل) وقيل المراد به في الآية النضر بن الحرث، والظاهر العموم وأن هذا النوع أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدال جدلا، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث علي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طرقه وفاطمة ليلا، فقال: ألا تصليان؟ فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته يضرب فخذه ويقول (وكان الإنسان أكثر شئ جدلا) " وانتصاب جدلا على التمييز. (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين) قد تقدم الكلام على مثل هذا في سورة بني إسرائيل، وذكرنا أن " أن " الأولى في محل نصب، والثانية في محل رفع، والهدى القرآن ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، والناس هنا هم أهل مكة، والمعنى على حذف مضاف: أي ما منع الناس من الإيمان والاستغفار إلا طلب إتيان سنة الأولين، أو انتظار إتيان سنة الأولين، وزاد الاستغفار في هذه السورة لأنه قد ذكر هنا ما فرط منهم من الذنوب التي من جملتها جدالهم بالباطل، وسنة الأولين هو أنهم إذا لم يؤمنوا عذبوا عذاب الاستئصال. قال الزجاج: سنتهم هو قولهم - إن كان هذا هو الحق من عندك - الآية (أو يأتيهم العذاب) أي عذاب الآخرة (قبلا (قال الفراء: إن قبلا جمع قبيل: أي متفرقا يتلو بعضه بعضا، وقيل عيانا: وقيل فجأة. ويناسب ما قاله الفراء قراءة أبى جعفر وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي ويحيى بن وثاب وخلف (قبلا) بضمتين فإنه جمع قبيل، نحو سبيل وسبل، والمراد أصناف العذاب، ويناسب التفسير الثاني: أي عيانا، قراءة الباقين بكسر القاف وفتح الباء: أي مقابلة ومعاينة، وقرئ بفتحتين على معنى
(٢٩٥)