مسيري حتى أبلغ، وقيل معنى لا أبرح: لا أفارقك حتى أبلغ مجمع البحرين، وقيل يجوز أن يكون من برح التام، بمعنى زال يزال، ومجمع البحرين ملتقاهما. قيل المراد بالبحرين بحر فارس والروم، وقيل بحر الأردن وبحر القلزم، وقيل مجمع البحرين عند طنجة، وقيل بإفريقية. وقالت طائفة: المراد بالبحرين موسى والخضر، وهو من الضعف بمكان، وقد حكى عن ابن عباس ولا يصح (أو أمضى حقبا) أي أسير زمانا طويلا. قال الجوهري: الحقب بالضم ثمانون سنة. وقال النحاس: الذي يعرفه أهل اللغة أن الحقب والحقبة زمان من الدهر مبهم غير محدود، كما أن رهطا وقوما منهم غير محدود، وجمعه أحقاب. وسبب هذه العزيمة على السير من موسى عليه السلام ما روى أنه سئل موسى من أعلم الناس؟ فقال أنا، فأوحى الله إليه: إن أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين (فلما بلغا) أي موسى وفتاه (مجمع بينهما) أي بين البحرين، وأضيف مجمع إلى الظرف توسعا، وقيل البين: بمعنى الافتراق: أي البحران المفترقان أبي يجتمعان هناك، وقيل الضمير لموسى والخضر: أي وصلا الموضع الذي فيه اجتماع شملهما، ويكون البين على هذا بمعنى الوصل، لأنه من الأضداد، والأول أولى (نسيا حوتهما) قال المفسرون: إنهما تزودا حوتا مملحا في زنبيل، وكانا يصيبان منه عند حاجتهما إلى الطعام، وكان قد جعل الله فقدانه أمارة لهما على وجدان المطلوب. والمعنى أنهما نسيا بفقد أمره، وقيل الذي نسي إنما هو فتى موسى، لأنه وكل أمر الحوت إليه، وأمره أن يخبره إذا فقده، فلما انتهيا إلى ساحل البحر وضع فتاه المكتل الذي فيه الحوت فأحياه الله، فتحرك واضطرب في المكتل، ثم انسرب في البحر، ولهذا قال (فاتخذ سبيله في البحر سربا) انتصاب سربا على أنه المفعول الثاني لاتخذ، أي اتخذ سبيلا سربا، والسرب النفق الذي يكون في الأرض للضب ونحوه من الحيوانات، وذلك أن الله سبحانه أمسك جرية الماء على الموضع الذي انسرب فيه الحوت فصار كالطاق فشبه مسلك الحوت في البحر مع بقائه وانجياب الماء عنه بالسرب الذي هو الكوة المحفورة في الأرض. قال الفراء:
لما وقع في الماء جمد مذهبه في البحر فكان كالسرب، فلما جاوزا ذلك المكان الذي كانت عنده الصخرة وذهب الحوت فيه انطلقا، فأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال، ولم يجدا النصب حتى جاوزا الموضع الذي فيه الخضر، ولهذا قال سبحانه (فلما جاوزا) أي مجمع البحرين الذي جعل موعدا للملاقاة (قال لفتاه آتنا غداءنا) وهو ما يؤكل بالغداة، وأراد موسى أن يأتيه بالحوت الذي حملاه معهما (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) أي تعبا وإعياء، قال المفسرون: الإشارة بقوله سفرنا هذا إلى السفر الكائن منهما بعد مجاوزة المكان المذكور، فإنهما لم يجدا النصب إلا في ذلك دون ما قبله (قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة) أي قال فتى موسى لموسى، ومعنى الاستفهام تعجيبه لموسى مما وقع له من النسيان هناك مع كون ذلك الأمر مما لا ينسى، لأنه قد شاهد أمرا عظيما من قدرة الله الباهرة، ومفعول أرأيت محذوف لدلالة ما ذكره من النسيان عليه، والتقدير: أرأيت ما دهاني، أو نابني في ذلك الوقت والمكان. وتلك الصخرة كانت عند مجمع البحرين الذي هو الموعد، وإنما ذكرها دون أن يذكر مجمع البحرين لكونها متضمنة لزيادة تعيين المكان، لاحتمال أن يكون المجمع مكانا متسعا يتناول مكان الصخرة وغيره، وأوقع النسيان على الحوت دون الغداء الذي تقدم ذكره لبيان أن ذلك الغداء المطلوب هو ذلك الحوت الذي جعلاه زادا لهما، وأمارة لوجدان مطلوبهما. ثم ذكر ما يجري مجرى السبب في وقوع ذلك النسيان فقال (وما أنسانيه إلا الشيطان) بما يقع منه من الوسوسة، و (أن أذكره) بدل اشتمال من الضمير في أنسانيه، وفى مصحف عبد الله: وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان (واتخذ سبيله في البحر عجبا) انتصاب عجبا على أنه المفعول الثاني كما مر في سربا، والظرف في محل نصب على الحال، يحتمل أن يكون هذا من كلام يوشع، أخبر