الكلابي * أصاب الأرض حسبان * أي جراد (فتصبح صعيدا زلقا) أي فتصبح جنة الكافر بعد إرسال الله سبحانه عليها حسبانا صعيدا، أي أرضا لا نبات بها وقد تقدم تحقيقه، زلقا: أي تزل فيها الأقدام لملاستها، يقال مكان زلق بالتحريك: أي دحض. وهو في الأصل مصدر قولك زلقت رجله تزلق زلقا وأزلقها غيره، والمزلقة الموضع الذي لا يثبت عليه قدم، وكذا الزلاقة، وصف الصعيد بالمصدر مبالغة، أو أريد به المفعول، وجملة (أو يصبح ماؤها غورا) معطوفة على الجملة التي قبلها: والغور الغائر. وصف الماء بالمصدر مبالغة، والمعنى أنها تصير عادمة للماء بعد أن كانت واجدة له، وكان خلالها ذلك النهر يسقيها دائما، ويجئ الغور بمعنى الغروب، ومنه قول أبي ذوئيب:
هل الدهر إلا ليلة ونهارها * وإلا طلوع الشمس ثم غيارها (فلن تستطيع له طلبا) أي لن تستطيع طلب الماء الغائر فضلا عن وجوده ورده ولا تقدر عليه بحيلة من الحيل، وقيل المعنى: فلن تستطيع طلب غيره عوضا عنه. ثم أخبر سبحانه عن وقوع ما رجاه ذلك المؤمن وتوقعه من إهلاك جنة الكافر فقال (وأحيط بثمره) قد قدمنا اختلاف القراء في هذا الحرف وتفسيره، وأصل الإحاطة من إحاطة العدو بالشخص كما تقدم في قوله - إلا أن يحاط بكم - وهى عبارة عن إهلاكه وإفنائه، وهو معطوف على مقدر كأنه قيل فوقع ما توقعه المؤمن وأحيط بثمره (فأصبح يقلب كفيه) أي يضرب إحدى يديه على الأخرى وهو كناية عن الندم، كأنه قيل فأصبح يندم (على ما أنفق فيها) أي في عمارتها وإصلاحها من الأموال، وقيل المعنى: يقلب ملكه فلا يرى فيه عوض ما أنفق، لأن الملك قد يعبر عنه باليد من قولهم في يده مال، وهو بعيد جدا، وجملة (وهى خاوية على عروشها) في محل نصب على الحال: أي والحال أن تلك الجنة ساقطة على دعائمها التي تعمد بها الكروم أو ساقط بعض تلك الجنة على بعض، مأخوذ من خوت النجوم تخوى إذا سقطت ولم تمطر في نوئها، ومنه قوله تعالى - فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا - قيل وتخصيص ماله عروش بالذكر دون النخل والزرع لأنه الأصل، وأيضا إهلاكها مغن عن ذكر إهلاك الباقي، وجملة ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا) معطوفة على يقلب كفيه، أو حال من ضميره: أي وهو يقول تمنى عند مشاهدته لهلاك جنته بأنه لم يشرك بالله حتى تسلم جنته من الهلاك، أو كان هذا القول منه على حقيقته، لا لما فاته من الغرض الدنيوي، بل لقصد التوبة من الشرك والندم على ما فرط منه (ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله) فئة اسم كان وله خيرها، وينصرونه صفة لفئة أي فئة ناصرة، ويجوز أن تكون ينصرونه الخبر، ورجح الأول سيبويه ورجح الثاني المبرد، واحتج بقوله - ولم يكن له كفوا أحد - والمعنى: أنه لم تكن له فرقة وجماعة يلتجئ إليها وينتصر بها، ولا نفعه النفر الذين افتخر بهم فيما سبق (وما كان) في نفسه (منتصرا) أي ممتنعا بقوته عن إهلاك الله لجنته، وانتقامه منه (هنالك الولاية لله الحق) قرأ أبو عمرو والكسائي الحق بالرفع نعتا للولاية، وقرأ أهل المدينة وأهل مكة وعاصم وحمزة الحق بالجر نعتا لله سبحانه. قال الزجاج: ويجوز النصب على المصدر والتوكيد كما تقول هذا لك حقا. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي الولاية بكسر الواو، وقرأ الباقون بفتحها، وهما لغتان بمعنى، والمعنى هنالك: أي في ذلك المقام النصرة لله وحده لا يقدر عليها غيره، وقيل هو على التقديم والتأخير: أي الولاية لله الحق هنالك (هو خير ثوابا وخير عقبا) أي هو سبحانه خير ثوابا لأوليائه في الدنيا والآخرة (وخير عقبا) أي عاقبة، قرأ الأعمش وعاصم وحمزة " عقبا " بسكون القاف، وقرأ الباقون بضمها، وهما بمعنى واحد: أي هو خير عاقبة لمن رجاه وآمن به، يقال هذا عاقبة أمر فلان، وعقباه: أي أخراه.